أبيات لـ(نزار) حاولت أفلسف حولها بما أكتنزه لماضٍ تليد، وأبدًا عن ذهني لا يغيب ولا موضع ما حاز منّي تبيد.
.. لعهد كأن لم يكن بيننا وبينه وصل، أو عمق.. شهد منّا دنيا صاخبة.. ملأ أزيزها كل شيء.. منّا
قليل من يلامس أشياء نظنها صغيرة..
ليحرك بنا رواكد كادت تطويها عجلة النسيان، أو تنصرف.. كما الزمان مثال..
يا شامُ إنَّ جراحي لا ضفافَ لها
فامسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسوارِ مدرستي
وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريب كم (كنزٍ) طمرتُ بها
وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صبا
وكم رسمتُ على جدرانِها صوراً
وكم كسرتُ على أدراجها لُعبا
و.. النادر (1) هو من يحسن حين يلامس تلك الصغائر يشعل منها نار هي لديك منها جذوةً لكنها تحت وميض بالكاد يرى، فإذا هي شيئًا فشيئًا تكبر لتكون أمامك توجع..
ألا قاتل (2) الله الحمى من محلّة
وقاتل دنيانا بها كيف ولّت
غنينا زمانا بـ(اللوى) ثم أصبحت
براق الهوى من أهلها قد تخلّت
.. وبالذات حين تقارن بتلكم الجماليات حاضرك الكئيب، المليء شحوبًا و.... فإذا هي أكثر إيلامًا مما يشاطر عهدك من هموم
أنا قبيلةُ عشّاقٍ بكاملها
ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا
فكلُّ صفصافةٍ حّولتُها حليةً
وكلُّ قائمةً رصّعتُها ذهبا
هذي البساتين كانت بين أمتعتي
لما ارتحلتُ عن دنياك ملتهبا
فلا قميصَ من القمصانِ ألبسهُ
إلا وجدتُ على خيطانهِ عنبا
كم مبحرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ
وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هربا
يا صالحية أينَ هما عينا أبي
يا شامُ أينا هما عينا معاويةٍ
وأينَ من زحموا بالمنكبِ الشُّهبا
وهنا أتدر لما هي أكثر..
لإنها ومهما فعلت أو قدمت من قرابين الندم لا.. ولن تعود!، وتمعّن..
أتيتُ من رحمِ الأحزانِ... يا وطني
أقبّلُ الأرضَ والأبوابَ والشُّهبا
حبي هنا.. وحبيباتي ولدنَ هنا
فـ(من يعيدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا)
فـ.. لا أحد يعيد ذاك وما لعجلة الأيام أن تتوقف فكيف بالوقوف ثم الدوران للخلف
وهل تجد عاقلا يقول بهذا فضلا أن يأمل به..
وإن زعم لك زاعم فهو يعبث بالثوابت فإياك أن تصدّقه فتصادق على ما لا يقبله عقل.
وأي جنون بلغ من يحاول!؟، أقصد/
كيف يذهب لجنون من عقل، فبلغ إربة الفهم.. الذي لا ينتكس يعود القهقري إلى ما محى الجهل منه إلا من عشعش في رأسه الرارا
لإن حتى الماضي القريب...
ليست عشيات الحمى برواجع
عليك ولكن خل عينيك تدمعا
فقالت بلى والله ذكري لو أنه..
تضمنه صم الصفا لتصدعا
فكيف بذاك الذي مضى وانقضى زمانه والمكااان!!
فما هذه إلا خيوط نتشبث بها وهي بالكاد تبين على نحو توهمات أو سرحات نعدو خلف رغائب داخلنا نخفف بها عنا لظى الحاضر، أو أوار من لوعات مكمونة داخلنا لذياك العذب مندنيانا.. فحسب لأنها بيوم تولى كانت بنا حياة قائمة قوائمها في مشهد عصرنا، ومن بربكم من ليس له ماض مشيد..؟
أو ذكرى عن حناياه لا تغرب ولا تبيد
لكن الجميل ها هنا هو من يستطيع يعبر عن هاتيك بطرائق ما أن تتوقى إحداها حتى يوقعك بأخرى.. تجذبك إليها وإلى تمنيها بقية من نشج لما غاب منها.
فيلتفت القلب إن عزّ الزمان أو غاب آثار المكان فمُحي كما درست معاهد الآباء والأجداد
نصطرخ، نعم!... لكن لا صدى يوصل ولا شكوى تبلّغ عنك ذاك الأنين الذي لا يغادرك..
بل يعاودك كل حين ويجاذبك إليه كل مين..
... ... ...
1) أليس (النبوغ أن تلحظ ما يعمى عنه الآخرون) - لويس تكر-
2) من قولهم: قاتله الله ما أشجعه (دعاء.. بمدح)، وتدبر بالآية {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}.
** **
- عبدالمحسن المطلق