لم يسلم أحد من الشعراء الكبار قبل الصغار من اتهامهم بالسرقة سواء كان ذلك كيداً من عدو أو حقيقة من صديق.
قد يمرق السارق ويضيع وسط زحام النقد بين التقليد والمحاكاة إلا أن ذلك واضح وضوح الشمس للناقد والمطّلع؛ فكثير من الشعراء اتُهموا بالسرقة في اللفظ أو المعنى أو في كليهما وبتصرف قد يكون تضميناً فقط وهذه حالة تكثر في الشعر العربي قديمه وحديثه لأن الأفكار والثقافة في المجتمع يتم تدويلهما بين فينة وأخرى لذلك عبّر كعب بن زهير عن هذا حين قال:
ما أرانا نقول إلاّ مُعارا
أو معادا من لفظنا مكرورا
والشاعر الحاذق المتمكن يعرف جيداً كيف يتفوق على اللفظ والمعنى دون أن يدرك كثير من القراء أن التقليد واضح في قصيدته ناهيك عن السرقة، وأقرب من ذلك ما روي عن أبي عمرو بن العلاء لمّا سُئل (أرأيت الشاعرين يتفقان ويتواردان في اللفظ، لم يلق واحد منهما صاحبه، ولم يسمع بشعره؟ فأجاب قائلاً: «الشعر جادة، وربما وقع الحافر على الحافر)، ولكن هذا لا يكون عذراً وحيلة لمن أراد السرقة حتى يأخذ ما ليس له فيه حق.
وأما المعارضة فهي شبيهة بالمحاكاة وقديمة جداً ومنها النقائض مع تغييرات حسب مقتضى الحال، فالاحتكام بالتفوق عند أحدهم إنما يكون في معنى واحد وقول واحد في قافية واحدة كما حدث بين امرئ القيس وعلقمة بن عبدة بحضرة أم جندب ولذلك يكثر فيها التقليد لسبب أو دون سبب ومثلها قد يكون في المعنى فقط كبردة البوصيري وكعب بن زهير فإنما جاءت قصيدة البوصيري من نفس الوزن (البسيط) مع اختلاف القافية وعدد الأبيات التي أرادها البوصيري أن تكون ملحمة ولكنها في معنى واحد وهناك الكثير من القصائد المشهورة التي عورضت من قبل شعراء قدماء ومحدثين، أما السرقة فهذا شأن شبيه بالتقليد حذو القذة بالقذة وإن حاول الالتفاف بالتغيير المفضوح إلا أن ليس هناك سبيل للتعتيم فالشكل والمضمون فيه سابقة ترصّد تغني عن النوايا مهما بلغت! وما كان إبراهيم عبدالقادر المازني ثالث ثلاثة الديوان الذي لم يترك شاردة وواردة في شعر حافظ إلا جعلها كالرميم إلا واحداً من هؤلاء المتهمين ومن أشارت عليه الأصابع كثيراً ومنها حين عمد إلى شعر الشاعر الإنجليزي توماس هود في قصيدته القصيرة (سرير الموت) ولم يكتف بالفكرة حتى سطا على اللفظ أيضاً غير أن هود كان يخاطب فتاة والمازني يخاطب غلاماً (فتى في سياق الموت) ولربما أراد بذلك تضليل القارئ حتى لا يفطن أحدهم إلى السرقة! وأياً كان فهو تأثر سابق منذ مطلع القرن العشرين بالأدب الإنجليزي حين كانت البعثات المصرية تتوالى على بلاد الفرنجة والإنجليز والاحتلال الفرنسي ثم الإنجليزي لمصر الذي كان له أثر كبير في التأثر والمحاكاة ومفاد ذلك كله إلى التطور الفكري والاقتصادي والصناعي الغربي الذي أدى إلى إضافة ألوان جديدة في الشعر يقابله الركود في الشعر العربي آنذاك مما حدا بالشاعر المصري خاصة إلى الإقبال على الشعر الإنجليزي حتى ولو كان سرقة!
** **
- زياد بن حمد السبيت