رمضان جريدي العنزي
إن الذين يدورون حول صاحب المنصب والجاه والمال، تملقًا ورياءً ومنفعة، لا يبتغون صاحب المنصب والجاه والمال، إنما يبتغون الانتفاع من منصبه وجاهه وماله، منافقون جبلوا على النفاق، وهم أول من ينفض من حوله، ويخذله حين تدور به الدنيا وتدبر، وحين يفقد المنصب والجاه والمال، وأول من يشنع به ويزدريه، بعد أن كانوا يمدحونه، ويجعلونه من العباقرة الأفذاذ، والجهابذة الكبار، ويضعونه في المراتب العليا شأنًا وحضورًا، ويقدمون له قصائد المدح، وعبارات الثناء، لوثوا فطرته السليمة، وأفسدوا حكمته البليغة، وأوقعوه في فخاخ الأنا، ومستنقعات الذات الآسنة، حتى جعلوه مفتوناً بنفسه وجاهه وماله، يهتز طربًا وينتشي لحنًا دون هوادة أو تعقل، ودون تفعيل للوعي والإدراك والحكمة، إن المنصب والجاه والمال، لا تدوم على حال، مهما طال الوقت، لذا فإن النفس الكبيرة لا تعبأ لهؤلاء الذين يدورون حوله كالذباب، وصاحب النبل والعقل والشهامة لا يقبل القول الخطأ، ولا يستمع لأطروحات السفهاء، ولا إلى مديح المنتفعين، إن وازعه الديني، وعقله وفكره وبصره وبصيرته، هي التي تجعله يرفض الاجترارات الوهمية، ولا يقبل اختلال موازين الطرح والقول، ويميز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والميل والاعتدال، إن معرفة النفس والثقة بها تزرع الواقع النقي، والتمسك بأهداب الواقع يدفع باتجاه الاستقامة والسلامة، والتواضع حالة صالحة، تسهم بشكل كبير في يقظة الضمير، والتفاعل العاقل، إن صاحب المقام الرفيع، والمكانة المتميزة، يمشي بين الناس بثقة مطلقة دون أن يغتر بكلام النفعيين، أو يستسلم لقيودهم والأغلال، لا تستعبده الأهواء، ولا يستعبده نفوذه المال والجاه والمنصب، ولن تأسره خرفات الكلام، ومدح الباطل، وأوهام الإنشاء، كاسبًا بذلك سيرة من نور، وإطراء من ذهب، إن أصحاب الثقة بالنفس، والواثقون بالذات، لا يكترثون كثيرًا بعبارات الثناء الباهتة، ولا يسمعون لها، لأنهم لا يريدون أن يصابوا بداء النكوص والتقهقر، ويتراجعون عن أداء الفرض والواجب، إن صاحب المنصب الواقعي ينبض بالإخلاص والوطنية والإيثار دون غيرها، ويتفانى بالعطاء، يعبق بشذاء الوطن ونكهته المميزة، ويتفاعل مع المجتمع ككل واحد، دون أن يستسلم للأفواه الطامعة، أو أن يترك الحبل على غارب هؤلاء لوحدهم، لكي لا يثونه عن العزم والجد والابتكار والعطاء، ولكي لا يسلبوا من روحه، تأجج الشهامة والوطنية والإخلاص، إن المواقالإنسانية والوطنية هي التي تدخل الإنسان من أوسع الأبواب، وشتان بين من يعيش للعطاء بكل ما أوتي من طاقة خدمة للمجتمع والوطن، وبين من يعيش مستمعًا فقط للمدح والتصفيق والإشادة العمياء والإطراء، أن مصداقية الرجل على المحك، فالعامل المجتهد المخلص هي التي تظهر أعماله، دون زوابع أو إثارة أو ضجيج، والمقصر في حق أهله ووطنه ومجتمعه مذموم وإن مدحه شلة من الناس، ولن ينفعه حين تدور به الدنيا أو ينتهي المنصب، أو يختفي الجاه والمال، طبلة المطبلين، ولا مزمار المنافقين، ولا قصائد المنتفعين.