علي الخزيم
تقول العرب: هذا رجل (حقنة)؛ أي أنه مؤلم، فظّ، ينفر منه المجلس ويبتعد عنه ذوو المروءة وراجحو العقول، وينأى عنه كل حصيف يعرف مكانة نفسه وقدره، الحقنه يدلف لمجالس الرجال دون دعوة، وأن أبدوا له الجفاء للتلميح بعدم رضاهم عنه ورغبتهم بفراقه، تجده يُفَسِّر ذلك بغيرتهم منه وحسدهم له على غزارة علمه ونباهته، فهو يُسمِّي اللجاجة حوارًا ورفع الصوت للإقناع بما لا يليق ولا يُعقل بأنه تفرد يعجز عنه الضعفاء، فالأدب والتَّرفُّع عن الصغائر بنظره مَسْكَنَةٌ لا تليق بالرجال، فهو ممن يحددون مفهوم الرجولة كما يروق لهم وينسجم مع اعتلال نفوسهم وضحالة فكرهم، وضحالة الحقنة تكشفها مداخلاته الإجبارية التعسفية بكل فقرة وفكرة من حديث المجالس والتنمر والإصرار (بوجه أقوى من الساطور) إن وجهة نظره هي الأقوى والأصح وكلامه لا يُرد، وكيف يتراجع إن ظهرت الحقيقة أمام هؤلاء (الرعاع) من جلسائه فهم أقل من أن يتنازل أمامهم عن رأي أو يُبْدِله، يلتصق بالناس بمجالسهم ويحشر نفسه بكل حوار ويشغل وقتهم بجدالات زائفة ثم يسميهم الرعاع.
الحقنة العصري متلون متقلب مراوغ بغباء لا يحتاج لتفسير وتأكيد، تكشفه لغة الجسد وحركات زوغان العيون، وتُنْبِؤك مسبحته عنه (إن كان من ذوي المسابح لإضفاء مظهر زخرفي على نفسه) تأمل حركات أصابعه وكيف تتعامل مع خرزات المسبحة فالعصبية والخوف من الانهزام وانكشاف خواء أفكاره تفسره تلك الحركات غير المنضبطة الهستيرية لدرجة أنك قد ترحم مسبحته من الضيم الذي تواجهه مع هذا الصفيق.
الحقنة له خاصية (الإلكترونية الرقمية) فلديه مهارة بالانتقال من حديث لحديث غيره؛ والانتقال من فكرة إلى فكرة معاكسة بكل أحوالها وتناقضاتها؛ يجب أن يكون هو على صواب مع تسفيه كل رأي آخر والتقليل من شأن كل متحدث، والجرح والتحقير لكل من يقف جاداً لثنيه عن قوله وهذيانه، الرجولة - كما يؤمن بقرارة نفسه - تمنعه من الجنوح للحق والرضوخ للواقع فهذا نهج المتخاذلين فقراء الطموح فارغي العقول، ولا ييأس من الإيحاء المزعوم برجاحة عقله بتعمد الدخول بأي نقاش حول أي موضوع فمع كل نشرة أخبار له اعتراض على تقرير سياسي ورفضه إجراء دولي أممي والتقليل من أهمية مشروع اقتصادي عملاق، وببرامج الأسرة والطفل يفهم أكثر من مُعد الحلقة والطبيب ضيف البرنامج بسكر الأطفال وسكر الحمل وسكر وحيد القرن، والمعضلة الكبرى إن هَجَم على (الشلَّة) بالاستراحة وهم يستعدون لمشاهدة المباراة الهامة جداً بكرة القدم، سيقرر هو اختيار المعلق وسيحدد الفريق الذي يجب تشجيعه؛ ومن يخالف فهو مُتخلف كرويًا يحتاج لعلاج نفسي ومحاضرات مُكثفة ليفهم معنى الرياضة وكرة القدم، كما يزعم الحقنه أنه أقنع أصدقاءه من (الجن) لتشجيع فريقه وأنه يدعوهم للغداء يوم المباراة خارج المدينة حيث يفضلون كبسة الرز وسكري القصيم!
الحقنة برأيي: هي صفة أطلقها العرب للتحذير من كل ثقيل يعاني من مُركَّب نقص وفراغ نفسي عميق جعله خطراً على نفسه وذويه وكل من حوله.