د. عبدالحق عزوزي
اجتمعت الأسبوع الماضي بشرم الشيخ، صفوة من الخبراء والمختصين في إطار ندوة تحالف عاصفة الفكر في نسختها الثامنة في موضوع يشغل بال الجميع «مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي»؛ ونجتمع تقريبا كل ستة أشهر في إطار هذا الاتحاد، ونتطرق كل مرة إلى المسائل العربية التي هي في حاجة إلى الفهم والشرح والتشخيص والتنظير، وهي أصول العلمية الحقيقية والأكاديمية التي ندرسها لطلبتنا في الجامعات والمؤسسات العليا. وهاته الموضوعية والعلمية التي يسير عليها الاتحاد وتسم تدخلات كل المشاركين هي التي تعطي قيمة لا يعلى عليها للتوصيات والمعلومات والبيانات التي يمدها التحالف من أجل دعم صانع القرار في الوطن العربي. وقد عقدت تباعًا هاته الاجتماعات في أبو ظبي (1 سبتمبر 2015) وفي المنامة (مارس 2016) وفي الرباط (سبتمبر 2016) وفي القاهرة (أبريل 2017) وفي عمان (سبتمبر 2017) وفي الرياض (أبريل 2018) وفي أبو ظبي (أكتوبر 2018) ثم شرم الشيخ (أبريل 2019) وتناولت الاجتماعات تباعا مواضيع «تحالف عاصفة الفكر»، «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب... آفاق ومستقبل»، «نحو إستراتيجية أمنية متعددة الأقطاب»، «دور الأمن القومي العربي في عصر جديد»، «التنمية والتعليم والإعلام في مواجهة التطرف»، «التدخلات والتمدد الإيراني في الخليج والوطن العربي»، «المستقبل العربي في عصر التكنولوجيا»، «مستقبل التعليم والبحث العلمي في العالم العربي».
ولا غرو أن الإصلاح العقلي الذي نسعى إليه، هو في حاجة إلى رؤية جديدة ينظر إليها من زاوية عقلانية التنوير، والعقلانية الرشيدة والعقلانية النقدية، فالأزمة شاملة تتعدى مفاهيم الأصالة والمعاصرة، والقديم والحديث، وزوايا المنهجية والابستمولوجيا والإيديولوجيا، إنها عطالة العقل العربي الذي لا ينفع معه طبيب الذات الفردية أو طبيب الذات الجماعية، وإنما طبيب كلي يصف دواء شاملا...
ولا يمكن أن يختلف اثنان إذا قلنا إنه من بين أولويات العالم العربي والإسلامي اليوم هو إصلاح منظومة التربية والتعليم وإحكام إستراتيجيات اقتصادية واجتماعية لتنمية المجتمعات، فنحن في حاجة إلى تطوير التعليم لأن نهضة الأمم تكون بالتربية والتعليم وبهما تنمو المجتمعات وتزدهر... ولهذا كانت توصياتنا في الاتحاد تعكس حرص كل المشاركين على تقديم أطروحات ورؤى غير تقليدية لواقع التعليم في الوطن العربي من خلال طرح تحليل موضوعي قائم على دراسات وإحصاءات، مقارنة مع مختلف دول العالم المتقدم، وذلك للوصول إلى تقديم حلول قابلة للتطبيق تسهم في إخراج التعليم في الوطن العربي من أزمته من خلال التعامل مع مكونات العملية التعليمية المختلفة، والحرص على تطويرها، وصولاً إلى الغاية المنشودة في جعل التعليم العالي والبحث العلمي قوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
ومما جاء في تلك التوصيات مثلا: ضرورة تطوير التعليم النظامي، وإشراك القطاع الخاص بفعالية في هذا الإطار، مع الاهتمام بالتعليم العالي وتوجيه طاقاته نحو البحث العلمي المتصل باحتياجات المجتمعات العربية، مع تأكيد الاستثمار في الموارد البشرية للأجيال في الوطن العربي.
كما أكدت التوصيات أن تكون خطة تطوير التعليم في أي دولة عربية عملية مستمرة ووفق رؤية استراتيجية متكاملة وراسخة، مع التشديد على أن مسؤولية التعليم لا تقع على عاتق الحكومات وحدها، وإنما يشترك فيها القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
وتناولت التوصيات أيضاً أهمية مواكبة المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل متطلبات العصر الرقمي والتقني من أجل تفعيل أفضل سبل التواصل بين مكونات العملية التعليمية، والحرص على تغيير منظومة التعليم من أسلوب الحفظ والتلقين إلى الانتقال السريع نحو تنمية التفكير الإبداعي القائم على الاستنباط والتحليل والابتكار وتشجيع مبادرات بناء المدارس الذكية.
هذا ولم نهمل في توصياتنا دور الكفاءات العلمية والمراكز البحثية، بل قمنا بحث صناع القرار على الاستفادة من رؤيتها في اتخاذ القرارات التنموية وتفعيل المخرجات البحثية وربطها بخطط التنمية المستدامة، والعمل على اجتذاب الكفاءات الوطنية المهاجرة.
وخلصنا في النهاية إلى أهمية دعوة الطاقم التربوي والتعليمي إلى التكيف مع العصر الرقمي ومتطلباته، وتحفيز خبراء علوم التربية والاجتماع وتقنية المعلومات على دراسة الآثار السلبية لتقنيات المعلومات على القيم المجتمعية، وتضمين مفاهيم المواطنة الرقمية والمواطنة العالمية المشتركة في مناهج التعليم، والمطالبة كذلك بتطوير قوانين أخلاقية فيما يتعلق بمنتجات التقنية تصميماً وإنتاجاً وتسويقاً واستخداماً بما يتسق ومنظومة القيم المجتمعية للعالم العربي.