إبراهيم بن سعد الماجد
لولا الليل ما عُرف النهار، ولولا السواد ما عُرف البياض، ولولا القبح ما عُرف الجمال، حتمية التناقض قدرٌ كوني لا مفر منه ولا محيد عنه، ولكنه يكون مصيبة ورزية وطامة كبرى، عندما يكون هذا القبح وهذا الظلام مرتبطاً بالعقل والتفكير.
العقول الظلامية، حقيقتها أنها لا ترى ما نراه من نور الإسلام، وظلام الضلال، ولذا فهي تسعى دوماً إلى الولوج من ثقب تظنه يؤدي إلى فضاء من السعادة فتكون هلكتها.
ومنذ أزل التاريخ والشر والخير في تدافع، حتى في أيام الجاهلية، فقد كان هناك أشرار وأخيار، أشرار يسفكون الدماء وينهبون الأموال، ويشتتون الأسر، وأخيار يحفظون الدماء، ويصونون الأعراض، والإسلام جاء متمماً لمكارم الأخلاق (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)
ومن أعظم الشر، وآكد البلاء، سفك الدماء، قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
يقول الإمام ابن حجر في معنى هذه الآية: جعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه، أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد، فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد مشاركتهما في أصل الاستعظام لا في قدره؛ إذ تشبيه أحد النظيرين بالآخر لا يقتضي مساواتهما من كل الوجوه، وأيضًا فالناس لو علموا من إنسان أنه يريد قتلهم جدوا في دفعه وقتله، فكذا يلزمهم إذا علموا من إنسان أنه يريد قتل آخر ظلمًا أن يجدوا في دفعه، وأيضًا من فعل قتلاً ظلمًا رجح داعية الشر والشهوة والغضب على داعية الطاعة ومن هو كذلك يكون بحيث لو نازعه كل إنسان في مطلوبه وقدر على قتله قتله ونية المؤمن في الخيرات خير من عمله كما ورد، فكذلك نيته في الشر شر من عمله، فمن قتل إنسانًا ظلمًا فكأنما قتل جميع الناس بهذا الاعتبار. أ.ه
الذين يجرءون على سفك الدماء في الحقيقة لا ينكرون عظم سفك الدماء، ولكنهم لا يروننا ممن عصم الله دماؤهم! بل يرون أن دماءنا واجبة السفك! ولهم تأويلاتهم الخاصة التي ورثوها عن أسلافهم شرار الخلق.
والشيء المؤلم عندما يُصنف هؤلاء الشرذمة المارقة، على أنهم مسلمون ملتزمون يطبقون تعاليم الدين!! مما يحمل الإسلام ما لم يحتمل، ولا يرضى ولا يجيز.
القضية قضية أمة، كون المستهدف هو الإسلام في مجمله، لذا فإن المطالبة الملحة أن تعمل الأمة الإسلامية مجتمعة على بيان أن هؤلاء القتلة المجرمين لا يمثلون الإسلام وتعاليمه بأي شكل من الأشكال، بل إن الإسلام منذ ظهوره على يدي محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- حارب هذه الفئة المارقة، وقال عنهم عليه الصلاة والسلام إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، مهما ادعوا الالتزام بتعاليم الإسلام وظهروا بمظهر المتقيّد بشعائره، إلا أن دين الإسلام تبرأ منهم.
من يقتل اليوم ويفجر هو هو الذي قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، أي أنهم لو كانوا في عهد عثمان لفعلوا ما فعل سلفهم تماماً، بل إنك لو حاورتهم في شأن عثمان لرأوا ما رآه قتلته -رضي الله عنه-.
الجهود المبذولة في إقناع العالم بأن هذه الفئة ليست منا ولا نحن منها، ما زالت بسيطة ولا ترقى لضخامة القضية، كونها تأتي في غالبها من مؤسسات سياسية، أي أنك لا تصل إلى الشارع الغربي البسيط، لذا فإن العمل الذي أرى أنه أكثر تأثيراً يجب أن ينطلق من المؤسسات المجتمعية عبر برامج مُعدة مع نخبة من علماء لهم حضورهم المؤثر عالمياً، أما حملات العلاقات العامة التي تقوم بها جهات سياسية وشبه سياسية ففي اعتقادي أن تأثيرها محدود.
الشر باقٍ ما بقي الليل والنهار، ولكن المطلوب أن نعمل على ألا يلصق بنا كأمة مسلمة.
حفظ الله علينا ديننا وقياداتنا، وحمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل متطرف وصاحب هوى مفتون.