هدى مستور
- التحرر من جميع الالتزامات- هو الفهم السائد للفراغ عند الكثيرين، وقد نتصور أنه لا ضرر كبير ينجم من وراء القصور في تحديد مفهوم الفراغ، وهذا قصور آخر! وذلك لأن مجرد اعتناق الفهم السابق للفراغ، فإن ذلك يعني أوقاتاً ومكتسبات كثيرة مهدرة.
وحصول الفراغ بالمعنى المذكور ليس قاصراً على الإجازات الرسمية فحسب، بل بعد الانتهاء من أداء سائر المهام اليومية. وقد قيل: (إذا أردت أن تعرف قيمة إنسان فاسأله ماذا يفعل في وقت الفراغ)، فالمجتمع الذي ينقصه الوعي بمفهوم الفراغ، يفتقد أفراده التوازن الشخصي، والإحساس بالمسؤوليات، ومهارة إدارة الذات، وتفعيل الوقت، ويظهر فيه غياب لغة الإبداع، وقتل المواهب، والشعور بالملل.
وتذوق الموت قبل أوانه لا يقتصر على الأحياء من أهل البطالة، ممن لا قيمة للعمل، والإنتاج في حسبانهم وحسب. بل هو متربص بمدمني الاشتغال ممن لا يعرفون الفراغ، ولم يجربوه؛ فإن العمل وإن كان يفيد في نمو معدل إنتاجية الفرد، ومن ثم ذلك يعود بالخير لمجتمعه، إلا أنه يقترف بحق العامل جناية؛ حين يجعله عالقاً في الخارج، يقاسي غربة الذات، يحس بها كلما اختلى بنفسه؛ فهو خبير بظاهر عالمه الخارجي، جاهل بذاته بين جنبيه.
لكن الفراغ بمعنى «اللاشيء» يحمل بعداً أعمق، وأكثر التصاقاً بالذات الإنسانية، فإن كان بالمعنى السائد، هو التحرر من الالتزامات الخارجية، والغرض منه محاولة الهروب من الضغوط الممارسة عليك، إلا أن الفراغ هنا بمعنى التفرغ للإنصات للصوت الداخلي، والاستجابة لندائه.
إنه اللا فعل الذي يجعلك متأهباً للفعل بعده. ولكن بعد أن تستقطع من الزمن؛ وقتاً تمارس معه إيقاف تدفق الأشياء، والأفكار، والمشاعر السيئة نحوك، والسمو بالنفس عن المشاركة في أنواع المنافسات المحمومة، إنها ليست محاولة فاشلة للهروب، بل هي محاولة ناجحة للعودة للنفس المطمئنة «إنها تجربة السكون» !.