فهد بن جليد
مُفردها (سَبْحُونة) وجمعها (سْبَاحِين) وهي قصص الأوَّلين التي تُروَى على لسان (الجدات خصوصاً) تحت ضوء القمر، إمَّا للتسلية والمتعة قبل النوم، وإشغال وقت الأحفاد في ليالي رمضان حتى يحين وقت السحور، أو في غيرها من ليالي العام حتى يحين موعد النوم، ما كان يُميِّز هذه السْبَاحِين أنَّها تعتمد على قُدرَة (الجدَّة) على إضافة عناصر تشويقية للقصة بحبكة درامية، باختلاق أحداث غير موجودة حسب حال المُستمعين للعِظَة والعِبْرَة والفائدة، وربطها بتفسيرات لزيادة الانبهار والتعلُّق في كل مرَّة ومع كل رواية وقصة، في حقبة زمنية ماضية أخرجت لنا بعض الفضائيات العربية وتحت أضواء الكشَّافات كثيراً ممَّن امتَهَنوا عمل الجدَّات بطريقة مودرن وحديثة، ولم يكن أحد يشعر بأنَّ بضاعة هؤلاء المُنظِّرين والرواة والإعلاميين هي مجرَّد (سْبَاحِين) بلغة أكثر أناقة وتنمُّق!
تجميع بعض المعلومات والمحتويات والترجمات والتعليقات من ابن العم Google ومَزجِها بمقاطع ومَشَاهد بمُساعدة ابن الخال You Tube لم تعد (خلطة ساحرة) لصُنع برامج تليفزيونية أو يوتيوبية مُغرية تجذب المُتلقي السعودي خصوصاً والمُتلقي العربي بشكل عام - كما كان يحدث سابقاً- نتيجة لزيادة الوعي والإدراك بفقر مخزون هؤلاء المُحدِّثين والمتفقِّهين المعرفي والثقافي والتاريخي وإفلاسهم إلا من جمع المعلومات الإنترنتية غير الموثوقة والتنطُّع بها، ما نتج عنه خفت وهج الانبهار بالنتاج الذي يقدّمه (لصوص الإنترنت) ممَّن لا تكلّفهم مثل هذه البرامج سوى غرفة مُظلِمة وكاميرا وكُرسي، ولسان عذب يروي تلك القصص والأفكار بلهجة بيضاء تُساعد في جذب المُشاهدين خصوصاً في مواسم شهر رمضان الذي كان النواة الأولى لظهور هذه البرامج على طريقة الجدَّات.
إنتاج برنامج يوتيوبي من هذا النوع في إحدى الدول العربية، لا تكَلِّف عملية تصوير ومونتاج 24 حلقة منه - مُدَّة كل حلقة 3 دقائق- سوى 7 آلاف ريال، من مادة مُجمَّعة من Google ومقاطع ممزُّوجة من You Tube ، وأكَاد أجزم أنَّ كثيراً من المعلومات والقصص والأحداث التي يرويها هؤلاء مليئة بالأخطاء والتناقضات لأنَّها تعتمد على ما نُشر في صُحف عربية ومواقع غير موثوقة لها توجهاتها وأجنداتها على الشبكة العنكبوتية، وليس بالضرورة أن تكون معلومات وأحداث صحيحة تسبر أغوار الماضي أو تُتَّرجِم لعلم الرجال، لذا أعتقد أنَّه حان الوقت لرفض مثل هذا الإنتاج والمُحتوى ومُحاسبة من يُصرون حتى اليوم على تقديم محتوى تاريخي ومعرفي منقوص أو مُحرَّف بقصد أو بحسن نيَّة على شكل (سباحين فضائية) دون مراجع تاريخية أو تحكيم وتوثيق علمي، فالمحتوى العربي العلمي والتاريخي والثقافي والروائي لا يحتمل المزيد من هذا العبث في طريق البحث عن الشهرة والكسب المادي.
وعلى دروب الخير نلتقي.