سعد بن عبدالقادر القويعي
اختلاف الواقع، والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها، وذلك مراعاة لمصالح العباد في المعاش، والمعاد؛ كونها عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه؛ -ولذا - كان من أجمل توصيات مؤتمر الوحدة الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة -في منتصف ديسمبر الماضي-، الذي حضره أكثر من 1200 مفتٍ، وعالم إسلامي، يمثلون 28 مذهبًا وطائفة، أن أوصوا: بعدم تصدير الفتاوى الفقهية؛ لأن لكل بلد ظرفيته الخاصة به، والقاعدة الفقهية الإسلامية تقضي باختلاف الفتاوى باختلاف -الزمان والمكان والأحوال والعادات والنيات والأشخاص-.
الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب، والسنة غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي؛ ولاكتمال التشريع بها، وإنما قد يتغير مناط الحكم تبعًا لتغير الصور، أو دخول العوارض المعتبرة في الشرع، ومن ثم تتغير الفتاوى، والأحكام عند تنزيلها على المسائل، والوقائع تبعًا لذلك، وهو ما أكده ابن القيم -رحمه الله- في كتابه «أعلام الموقعين عن رب العالمين»، 1/ 69، إِذ يقول: «ولا يتمكن المفتي، والحاكم من الفتوى، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، أحدهما: فهم الواقع، والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن، والأمارات، والعلامات؛ حتى يحيط به علمًا. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر».
ضابط فهم ما سبق يتلخص في أمرين، الأول: أن التغير يكون في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله. والثاني: أن التغير سببه اختلاف -الزمان والمكان والعادات- من بلد لآخر، -وبالتالي- فإن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن، والسنة، التي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية، لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة؛ لإصلاح الزمان، والأجيال، وتتغير وسائلها -فقط-، أما الأحكام المبنية على الأعراف، والعادات، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس، أو المصالح المرسلة، أو الاستحسان، أو غيرها من الأدلة الفرعية، فإنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير هذه الجهات.