خالد أحمد عثمان
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على دولتين من الدول الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) وهما إيران وفنزويلا. واستهدفت هذه العقوبات ضمن ما استهدفته قطاع النفط في هاتين الدولتين وعائداته وحظرت على بنوك العالم إجراء المعاملات المالية بشأن مبيعات نفطهما.
وبدأت الإجراءات الأمريكية ضد إيران عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده اعتباراً من 8 مايو 2018م من الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران عام 2015م، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران على دفعتين الأولى بدأت في أغسطس 2018، والثانية بدأت في 4 نوفمبر 2018، واستثنت بعض كبار الدول المستوردة للنفط الإيراني مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية لمدة ستة أشهر مقابل تقليصها لوارداتها النفطية، وأخيراً أعلنت الولايات المتحدة إنهاء جميع الاستثناءات والإعفاءات من هذه العقوبات اعتباراً من 2 مايو 2019م، وصرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة تهدف من هذه العقوبات (تصفير) تصدير النفط الإيراني بهدف إجبار النظام الإيراني على اختيار واضح، أما التخلي عن سلوكه الخبيث والتدميري أو الاستمرار في السير نحو الكارثة الاقتصادية.
وأيّدت دول خليجية وهي السعودية والإمارات والبحرين الإجراءات الأمريكية، وصرّح الدكتور إبراهيم العساف وزير الخارجية بأن السعودية ترحب بإعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بشأن العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني وأعرب عن دعم المملكة الكامل للخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها خطوة لازمة لحمل النظام الإيراني وقف سياساته المزعزعة للاستقرار ودعمه ورعايته للإرهاب حول العالم، حيث دأب النظام الإيراني على استخدام موارد الدولة الإيرانية لتمويل هذه السياسات الخطيرة دون أي اعتبار لمبادئ القانون الدولي. وشدَّد على موقف المملكة الثابت من ضرورة مواصلة الجهود الدولية لحمل النظام الإيراني على الالتزام بمبادئ القانون الدولي ووقف تدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ونشاطاته التي أدت إلى جلب الفوضى والخراب للعديد من الدول.
وأكد الدكتور العساف على ما ورد في تصريح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية من تأكيد المملكة، مجدداً على مواصلة سياستها الراسخة، والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق الاستقرار بالأسواق في جميع الأوقات، وعدم خروجها من نطاق التوازن. وأن المملكة ستقوم بالتنسيق مع منتجي النفط الآخرين من أجل التأكد من توفر إمدادات كافية من النفط للمستهلكين. والسعي لاستقرار ونمو الاقتصاد العالمي.
وكان وزير الطاقة المهندس خالد الفالح قد صرَّح بأنه لا يرى حاجة إلى زيادة إنتاج النفط على الفور بعد أن أنهت الولايات المتحدة الإعفاءات، مضيفاً أن السعودية ستلبي احتياجات العملاء إذا طلبوا مزيداً من الخام ويرى مراقبون أنه إذا وصلت إمدادات النفط الإيرانية إلى الصفر فإن السعودية والإمارات ستعوِّضان هذا النقص. وكانت إيران، قبل إعادة فرض العقوبات أحد أكبر منتجي النفط داخل (أوبك) بإنتاج يقترب من 4 ملايين برميل يومياً وتراجعت صادرات إيران الآن إلى نحو مليون برميل يومياً.
ومن ناحية أخرى دخل الحظر الأمريكي على شراء النفط الفنزويلي حيز التنفيذ اعتباراً من 28-4-2019م في مسعى لدفع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو نحو الخروج من الحكم لمصلحة المعارض خوان جوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً بالوكالة واعترفت به غالبية دول أمريكا اللاتينية. وبموجب هذا الحظر يتعيَّن على كل شركة أمريكية الامتناع عن شراء النفط من شركة النفط الوطنية في فنزويلا أو من إحدى الشركات التابعة لها، كما أنه يحرم على كل كيان أجنبي استخدام النظام المصرفي الأمريكي لشراء النفط الفنزويلي. وتمثِّل إيرادات مبيعات النفط 96 % من الدخل الوطني في فنزويلا. وقد انخفض الإنتاج الفنزويلي من 1.5 مليون برميل يومياً إلى نحو 500 ألف برميل يومياً وقد يزداد الإنتاج انخفاضاً بسبب العقوبات الأميريكية.
يثور هنا التساؤل ما موقف منظمة (أوبك) إزاء تعرّض دولتين من أعضائها لعقوبات على تصدير نفطهما؟ هل يوجب دستور المنظمة على الدول الأعضاء التضامن مع إيران وفنزويلا ودعمهما في مواجهة هذه العقوبات.
إذا رجعنا إلى أحكام دستور أوبك ذات الصلة بهذا الموضوع نجد ما يلي:
أولاً: حدّدت المادة الثانية من دستور أوبك أهداف المنظمة ومنها إيجاد السبل والوسائل التي من شأنها أن تضمن استقرار الأسعار في أسواق النفط العالمية بغية إزالة أي تقلبات ضارة ولا موجب لها. وبناءً على ذلك قامت السعودية ودول أخرى أعضاء في أوبك بزيادة إنتاجها لسد النقص في الإمدادات الذي حدثت إبان أزمات سابقة مثل أزمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت، حيث قامت دول أعضاء أوبك ومن ضمنها إيران بسد النقص الحاصل من توقف الإنتاج الكويتي والعراقي وإمداد سوق النفط بما تحتاج إليه، كذلك قامت السعودية ودول أخرى بسد النقص الذي حصل بسبب توقف إنتاج النفط الليبي بسبب اشتعال الثورة الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، بل إن إيران وفنزويلا زادتا إنتاجهما النفطي بعد قيام الدول العربية بخفض إنتاجها النفطي تدريجياً وحظر تصدير البترول العربي للدول المساندة لإسرائيل خلال حرب 1973م.
ولذلك فإن قيام دول أوبك بزيادة الإنتاج لتعويض نقص الإمدادات الناتج عن نقصان أو انقطاع الإنتاجين الإيراني والفنزويلي بغية المحافظة على توازن السوق الدولية للنفط واستقرار الأسعار يدخل ضمن نطاق أهداف (أوبك).
ثانياً: إن دول أوبك غير ملزمة بموجب دستور المنظمة بالتضامن مع إيران وفنزويلا ضد مقاطعة نفطهما من قبل دول أخرى، فالحالة الوحيدة التي تلزم دول أوبك بالتضامن مع دولة عضو هي التي نصت عليها المادة الرابعة من دستور أوبك والتي قررت أنه (إذا ما نجم عن تنفيذ أي قرار من قرارات المنظمة أن قامت شركة أو أكثر من الشركات المعنية، باتخاذ إجراءات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ضد أي قطر واحد أو أكثر من الأقطار الأعضاء، فإنه لا يجوز لأي عضو من الأعضاء الآخرين أن يقبل عرضاً ينطوي على محاباة له - سواء كان ذلك بزيادة الصادرات أو برفع الأسعار - قد تعرضه عليه أية شركة أو شركات معنية كهذه بغية إعاقة تنفيذ قرار المنظمة).
وواضح من نص المادة الرابعة سالفة الذكر أنها لا تنطبق على الحالتين الإيرانية والفنزويلية لأن قرار مقاطعة نفطهما اتخذته دولة وليس شركات وهو ليس ناجماً عن تنفيذ إيران وفنزويلا لأي قرار من قرارات أوبك وإنما ناجم عن أسباب سياسية لا شأن لأوبك بها كمنظمة اقتصادية.