أ.د.عثمان بن صالح العامر
اليوم أول أيام إجازة نهاية العام، ومع أن الفراغ في حد ذاته نعمة عظيمة ومنَّة كبيرة من الله إلا أن توظيفه التوظيف الأمثل، والاستفادة منه بشكل مفيد ونافع، إشكالية معقَّدة أعيت المختصين التربويين، والإصلاحيين الوطنيين، وعجز عن علاجها الكل بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمؤسسات الحكومية ذات الصِّلة بالتنشئة الاجتماعية، مع اعتراف الجميع بأنهم إزاء مشكلة جوهرية خطيرة، لها بعدها المجتمعي، وأثرها السلبي الذي يطال شريحة عريضة من شباب وفتيات الوطن، بل يتجاوزهم إلى المعلمين والأكاديميين.
ما بذل من جهد تنظيري، ودراسات متخصصة، وما عُقد من برامج ودورات، وما أُقيم من مراكز ومهرجانات الأعوام الماضية، كانت - في نظري - أعجز من أن تسد الفراغ، وتفي بالمطلوب، فضلاً عن أنها لم تتسم بصفة الديمومة والاستمرار، ولَم تطل جميع الفئات التي يجب أن يتوجه له الجهد وتنال الاهتمام، ولذا فإنني ونحن على أعتاب إجازة طويلة أتطلع مثل غيري من أولياء الأمور إلى بذل كل السبل للوقاية من سلبيات الفراغ وعلاج ما قد ينتج من أمراض قد تفتك بفلذات الأكباد. مع العلم أنه ليس بمقدور كل الطبقات المجتمعية الصرف على أولادهم لحضور دورات تدريبية، أو الدخول في أندية صيفية خاصة، أو السفر بهم لمناطق المملكة التي تصنَّف على أنها مصايف، ولذا حبذا أخذ هذا الأمر في الحسبان حين التخطيط لإجازة سعيدة يتمتع بها شباب وفتيات الوطن إن شاء الله وكذا عند تحديد الأسعار.
طبعاً من مساء هذا اليوم سينقلب الليل نهاراً والنهار ليلاً، وسيعاني الوالدان من متابعة الذرية ومعاتبتهم عن التأخر في المجيء للبيت، وستتولَّد الأعذار، وسيختلط الحابل بالنابل، ويصبح الكل في مساكنهم كأنهم نزلاء فندق، لا يرى بعضهم البعض إلا في الممرات حين الدخول وعند الخروج، والواجبات ستكون وجبات سريعة غالباً وفِي وقت متأخر من الليل، والنتيجة فوضى عائلية.
شخصياً لا أعرف ما العلاج، وليس عندي الحل الذي يمكن أن أسوقه هنا وأقترحه على متخذ القرار ولكنني أؤمن إيماناً تاماً بأن الشعور بوجود مشكلة والاعتراف بها نصف الحل، كما أنني أعتقد أن هذه المشكلة محل الحديث توجب ضرورة مشاركة قطاعات التنمية الثلاثة (الحكومي والخاص والأهلي) في إيجاد العلاج الناجع لها، حتى يتدرب هؤلاء الشباب والفتيات الذين هم في سن التحصيل والكسب على مهارات الحياة سواء الوظيفية أو الأسرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وحتى يتسنّى للوطن الاستفادة القصوى من هذه الطاقات الفتية المتقدة فيما فيه خير العاجل والآجل لبلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.