محمود شومان
أما وقد انتهت احتفالات أعياد شم النسيم في مصر وغابت عن الشوارع رائحة الأسماك المملحة والفسيخ والبصل التي تغزو شوارع مصر في مثل هذا اليوم من كل عام كعادة فرعونية ارتبطت بالهوية المصرية منذ 2700 قبل الميلاد وكان يُسمى «شمو» وكان يُقام بمدينة هيليوبوليس ويرمز إلى بعث الحياة، حيث كان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان أو بدء خلق العالم، كما كانوا يروون وقد تم تعديل الاسم لهذا العيد على مر العصور المختلفة وأضيفت إليه كلمة «النسيم» لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو.
وكما ارتبط شم النسيم بالشخصية المصرية منذ آلاف السنين ارتبطت بتلك المناسبة عادات أخرى كثيرة حرص عليها المصريون بداية من الفراعنة الأجداد الذين كانوا ينظمون شعائر خاصة بالمؤمنين من الفراعنة يقومون بها في الأعياد وذلك بمدينة منف وهي عبارة عن الطواف حول مبنى مقدس بالإضافة إلى تقديم الذبائح التي تصاحب الاحتفال وكانت هناك أنشودة تخلد ذكرى الاحتفال تقول «ما أشد سرور معبد آمون في العام الجديد عند ذبح الضحايا عندما يتقبل آمون أشياءه الجديدة وتنحر ثيرانه بالمئات» حتى تغيّرت تلك العادات مع اختلاف الأزمان وارتبط بمؤكلات معينة يحرص عليها المصريون كتناول السمك المملح والبصل والبيض والحمص.
وقد انتهت أجواء الاحتفالات لكن لا مانع من التساؤل حول بعض الأسئلة التي تعود لمجريات المناقشة من كل عام خصوصاً بين المؤسسات الدينية في مصر والجماعات الإسلامية حول ما إذا كان الاحتفال بأعياد شم النسيم حلالًا أم حرامًا وهل هي فعلاً عادة مصرية قديمة تحولت إلى مناسبة دينية خاصة لليهود والمسيحيين دون غيرهم.
دار الإفتاء سارعت إلى تبني أن شم النسيم عادة مصرية ومناسبة اجتماعية ليس فيها شيء من الطقوس المخالفة للشرع، ولا ترتبط بأي معتقدٍ ينافي الثوابت الإسلامية وأن المصريين يحتفلون جميعًا في هذا الموسم بإهلال فصل الربيع بالترويح عن النفس وصلة الأرحام وزيارة المنتزهات.
ويبدو أن هذا لم يعجب الجماعات السلفية في مصر التي ردت على لسان الداعية السلفي سامح عبد الحميد والذي أفتى بعدم جواز الاحتفال بعيد شم النسيم، لكونه «ذكرى فرعونية ثم ارتبطت بالنصرانية، ومن ثم المسلمون لا يحتفلون بمثل هذه المناسبات، ولا تجوز المشاركة في هذا اليوم بأي مظهر من مظاهر الاحتفال، مثل الخروج للمتنزهات لإحياء هذه الذكرى». كذلك، أفتى حسين مطاوع، الداعية السلفي بتحريم الاحتفال بشم النسيم، قائلاً في بيان له: إن «الواجب على المسلم الالتزام بدينه فإن في ذلك رضا الله، والله عزَّ وجلَّ لم يشرع لنا إلا عيدين فقط هما عيد الفطر وعيد الأضحى فالأولى للمسلم الاهتمام بأعياده التي شرعها الله».
بعيداً عن الجدل الذي أصبح هو الآخر عادة تندلع في كل عام. في كتاب «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية» للكاتب الرائع والإسلامي المعروف أحمد أمين والذي جمع فيه عددًا هائلاً من العادات والتقاليد المصرية في المأكل والملبس والمشرب والعلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى أهم التعبيرات العامية سواء كانت قادمة من لغات أخرى وتم تعريبها، أو تلك التي تطورت عن شكلها القديم في الفصحى فاتخذت شكلًا جديدًا في مفرداتها أو في قواعد تركيبه. فجمع بذلك بين تسلية الحكايات ودقة البحث الذي يسجّل ظواهر لم يلتفت إليها كثيرون من المؤرِّخين وعلماء اللغة على الرغم من أهميتها البالغة.
يروي لنا أحمد أمين في كتابة الذي نشر عام 1953 عن عادة احتفالات المصريين بشم النسيم: كانت للمصريين أكلات معينة يحرصون عليها فيحصرون على أكل البيض الملون يوم السبت الذي قبل شم النسيم ثم الملانة والخس ليلة شم النسيم ثم يأكلون الفسيخ ظهراً «ويشترك في ذلك المسلمون والنصارى جميعاً فهو يوم شعبي» وقد ترى الناس يأكلون الخس وهم يمشون في الشوارع أو يقزقون الملانة أو اللب أو يمصون القصب مما يقذر الشوارع كثيراً وإذا نظرت إلى كناسة الشوارع في شم النسيم رأيت عجباً من بقايا هذه الأشياء.
كتاب آخر تعرض لمسألة إذا كان شم النسيم عيداً مرتبطاً بالأديان أم لا..؟ ففي كتابه «خارج السياق» يقول الدكتور أحمد مجاهد إن حقيقة الأمر أن شم النسيم ليس عيداً يهودياً على الرغم من توافقه مع عيد الفصح أي عيد الخروج من مصر بعدما سلبوا أهلها في شم النسيم نظراً لانشغال المصريين بطقوس الاحتفالات ثم سلبوا هذا اليوم أيضاً وقرروا أن يكون عيداً لخروجهم. كما أنه ليس عيداً مسيحياً فإذا كان الشيخ عطية صقر يقول في فتواه «لماذا نحرص على شم النسيم في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم؟ إنه لا يعدو أن يكون يوماً عاديًّا من أيام الله حكمه كحكم سائرها، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصّر والحذر، وهى ارتباطه بعقائد لا يقرّها الدين، حيث كان الزعم أن المسيح قام من قبره وشم نسيم الحياة بعد الموت» فإن القس بشوي سكرتير المجمع المقدس قال: «إن شم النسيم ليس عيداً مسيحياً إطلاقا».