د.شريف بن محمد الأتربي
وضعت القيادة الرشيدة ضمن رؤية 2030 برنامج التحول الرقمي؛ إذ أشارت إلى إطلاق برنامج شامل، يهدف إلى نشر الوعي والمعرفة الرقمية، وتأهيل كوادر وطنية ذات كفاءة عالية للدفع بعملية التحول الرقمي، وذلك من خلال: تأهيل الكوادر الوطنية في القطاع الرقمي من خلال إطلاق برامج تدريبية لحديثي التخرج في قطاع تقنية المعلومات، وإقامة حملات توعوية للطلاب والطالبات لتعريفهم بالتقنيات الرقمية الحديثة، وتأهيل الباحثين عن العمل وموظفي الدولة لمواكبة التحول الرقمي.
وبالنظر إلى هذا البرنامج الطموح نجد أن المعول الأساسي عليهم في تنفيذه هم حديثو التخرج وطلاب وطالبات مراحل التعليم العام؛ وهو ما يحمِّل قطاع التعليم مسؤوليات جسيمة في تحقيق هذه الرؤية، والعمل جنبًا إلى جنب مع باقي أجهزة الدولة للوصول إلى التحول الرقمي الكامل لجميع قطاعات الدولة بحلول 2030.
وقد خطت وزارة التعليم خطوات واسعة لتحقيق هذه الرؤية؛ إذ أطلقت العديد من المبادرات التي تدعمها وتسارع بتحقيقها. ومن هذه المبادرات بوابة المستقبل التي انطلقت بالتعاون مع شركة تطوير لتقنيات التعليم (تيتكو) مع بداية العام الدراسي الماضي 1438 - 1439 بعدد 310 مدارس في ثلاث مناطق تعليمية، ووصلت مع نهاية هذا العام الدراسي 1439 - 1440 إلى نحو 1893 مدرسة موزعة على ست عشرة إدارة تعليمية؛ لتقدم خدماتها إلى نحو 450.000 طالب وطالبة، و30.000 معلم ومعلمة.
ويُعد مشروع بوابة المستقبل من المشاريع الواعدة في إطار التعليم خاصة مع سرعة تزايد المستفيدين منه؛ ليصل إلى مدارس المملكة كافة في عام 2020؛ ولذلك فإن المشروع يحتاج إلى وجود خطوات استباقية، تسهل من عملية اندماج المدارس الجديدة، وترتقي بما يتم تقديمه من خدمات تعلم رقمي في المدارس القديمة لتحقيق الهدف من المشروع، وهو التحول الرقمي.
ولعل من أهم هذه الخطوات تأهيل المعلمين والمعلمات تقنيًّا. والمقصود ليس فقط استخدام الحاسب أو استخدام البوابة، ولكن المقصود أعم من ذلك؛ إذ يشمل إكساب المعلمين والمعلمات الخبرات اللازمة لدمج التقنية في التعليم؛ لكي يصبح التعلم باستخدام أدوات التعلم الإلكتروني جزءًا أساسيًّا من عملية التعليم، وليس مقحمًا فيها، ولا مرادفًا لها؛ فالهدف هو تسهيل وصول المعلومات للطلبة، وجعلها جزءًا من تفكيرهم؛ وبالتالي تنعكس على اتخاذ قراراتهم في جميع مجالات حياتهم، إلى جانب تملكهم مهارات البحث عنها، وجمعها، وتصنيفها في كتل معرفية، ومشاركتها مع الآخرين؛ لتعم الاستفادة من المعلومة، ولا تظل قاصرة على فرد واحد.
ومن الخطوات المهمة أيضًا التي يحبذ أن يتقنها المعلمون والمعلمات ثقافة الجودة، وهي مفهوم يعبِّر عن تقديم خدمات التعلم الإلكتروني ضمن معايير محددة، تعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من تطبيقه؛ فحين يُطلب من المعلم أو المعلمة رفع تقييم للمتعلمين على النظام، سواء كان هذا التقييم واجبًا، أو اختبارًا أو حلقة نقاش أو.. فإنه يجب أن يُنظر لجودة هذه التقييمات من حيث عدد الأسئلة المطروحة ونوعيتها، ومستوى صعوبتها، ومناسبتها لفئات وقدرات المتعلمين، وتحقيقها الهدف الذي صيغت من أجله. وأيضًا يجب أن تكون موضوعات غرف النقاش المطروحة للطلاب ملائمة لما طرحت من أجله، ومناسبة لتحقيق الهدف، ومحفزة للطلبة على المشاركة وإبداء الرأي والتحاور مع الآخرين لتحقيق هدف النمو المعلوماتي والمعرفي من جهة، وتعزيز القدرات النفسية والمجتمعية كالقدرة على النقد وتقبُّله، والقدرة على تقبُّل الآخر ومحاورته، والقدرة على تغيير المفاهيم الخاطئة. ولعل هذه النقطة هي أحد أهم مكتسبات هذه التقنية في ظل عمل الجماعات الإرهابية على استقطاب الصغار، والتأثير في مكتسباتهم العقائدية والمعرفية، وهز ثقتهم في المجتمع، ودفعهم لتغيير ما يرونه باطلاً باستخدام القوة بذريعة الدين، وهو منهم براء. إنَّ التعلم الإلكتروني والتحول الرقمي في المجتمع سيصبحان - بإذن الله - حائطَي صد قويَّين أمام قوى الشر التي تتربص بمملكتنا من خلال نشر الوعي والمعرفة، ومساعدة النشء على الاستخدام الأمثل والفاعل لما توفره التقنيات من معلومات وحلول للمشكلات.