د. محمد بن إبراهيم الملحم
الاختبارات المركزية (أو الوطنية) والتي طبقتها الوزارة مشكورة إجراء نوعي لمؤشرات قياسية وطنية لتقييم التعلم بالمملكة، وقد هدفت الوزارة إلى الارتقاء بالتعليم من خلال هذا «المجس» الدقيق والجيد، بل أنفقت كثيرًا حتى خرج أول منتجاته (الاختبار) إلى النور وتم تطبيقه ولله الحمد، وأثق أن هناك كثيرًا من الجهد والتخطيط لتجويد المنتج وعملياته، فمثلا لاحظت عناية المصممين في تخصيص ورقة باسم كل طالب تم اختياره للعينة، ليعكس ذلك إمكانية عمل مقارنات بنتائج المدرسة وكذلك نتائج هذا الطالب التراكمية في السنوات السابقة مع نتيجته في الاختبار المركزي وغير ذلك من التحليلات الدقيقة للنتائج، وكل ذلك يوضح أن فريق العمل يدرك الأبعاد العميقة للاختبار وينوي توظيفه بأفضل طريقة. ومع كل الجهد لإعداد الأسئلة ومعايرتها وتقنينها وضبط مستواها وصلاحيتها ثم إعدادها وإخراجها ووضع الخطوط العامة للتطبيق ثم التخطيط لكيفية تحليلها بعد استخراج النتائج، إلا أن ذلك لا يمثل إلا 50 % من قيمة العمل بكامله حيث تبقى كل هذه الإجراءات تحت رحمة «سلامة التطبيق» فمع ضمان جودته ستضمن جودة المنتج النهائي (النتائج) بينما عند وجود شيء من الخلل ستقل القيمة، وبحسب ما وردني من عدد من العاملين والعاملات في الميدان فقد كان في التطبيق عدة ثغرات أنصح الزملاء في إدارة هذا المشروع الوطني الطموح بالتنبه إليها في المرات القادمة وفيما يلي استعراض لها.
أولا: لم تكن هناك توعية كافية للمدارس حول هذا المشروع وماهيته ومدى اختلافه عن المشاريع السابقة المماثلة مثل اختبارات منظومة الإشراف أو الاختبارات شبه المركزية الأخرى، مما جعل المدارس تتعامل معه بنفس التوجه وربما بشيء من التذمر وحيث تعودت المدارس نتيجة لكثرة هذا النوع من الاختبارات مؤخرا (دون أن نتحدث عن قيمتها) أن تنجز كيفما كان الأمر، فقد انعكس هذا التوجه على الاختبارات المركزية أيضًا مما يقدح في الثقة بجودة التطبيق لدى هذه الطائفة من المدارس التي لا أجزم أنها قليلة أو يمكن إهمال عددها.
ثانيًا: لم يكن هناك توعية لأولياء الأمور حول أهمية الاختبار ودوره، وبالتالي فإن غياب الطالب عن الاختبار لم يكن يعني لبعضهم الكثير، كذلك التوعية بطريقة الاختبار وخاصة لطلاب الصف الثالث الابتدائي الذين لم يألفوا أسلوب الإجابة بتظليل الدوائر، أحد المشرفين يقول إن الطالب أخذ يلوّن هذه الدوائر ثم رسم بينها خطوط وقال للمشرف «يأ أستاذ لقد رسمت سلّم ما رأيك صح؟»، وهناك قصص أخرى من نفس النمط لا داعي لاستهلاك الصفحة في سردها وكلها تنتمي إلى نقص التوعية سواء للمدرسة أو البيت.
ثالثا: وهو الأهم، لم يكن هناك تنميط لجودة الإشراف على التطبيق مما جعل بعض المدارس لا تلقي بالا لجودة ضبط اللجان فحدث شيء من الغش بل إن بعض المدارس سهلت عملية الغش لطلابها رغبة في تحسين صورتها أمام الوزراة! وبالإضافة إلى ما وردني من الميدان عن ذلك فلقد عملت استفتاء عبر تويتر لهذه الظاهرة فقط أقصد ظاهرة الغش الجماعي في المدرسة لتحسين الصورة وكانت النتيجة لعينة فوق 850 متفاعلا أن 35 % منهم أفادوا أن المدرسة «سهلت الغش بطريقة أو بأخرى أثناء الاختبارات المركزية وذلك لتحسين صورتها أمام الوزارة»، واستفتاءات تويتر تناسب العينات الشاملة لكل المملكة وغير المشروطة كما في هذه الحالة ومع ذلك فلو أخذنا برأي المتحفظين عليها ونظرنا إلى نصف هذه النسبة (17%) فهي مقلقة بالنسبة لاختبارات وطنية حساسة.
التوصية هنا أن تكليف مشرف واحد غير كاف وكان الأولى أن يكلف مشرف ومدير مدرسة أخرى مثلا لتصبح لجنة ضبط قاعة الاختبار مكونة من شخصين معا، المشكلة أن هناك حالات تم فيها تكليف مشرف واحد لمدرسة بها ثلاث مراحل مما يعني أنه سيتنقل بينها أثناء تأدية الاختبار ولكم أن تتوقعوا سيناريو ما حصل، وكذلك فإن قيام المشروع على افتراض أساسي أن «كل» مشرف موثوق أو لديه القدرة التامة على ضبط لجان الاختبارات هو مجازفة مباشرة فهذان الافتراضان أثبتت التجربة والمعايشة الواقعية عدم صحتهما على الإطلاق وحيث إن إشارتي هي إلى «كل» في العبارة السابقة فحتى لو استبدلت بأغلب أو الغالبية العظمى فلن يكون هذا مقطوعا به في ظل إجراءات ومعايير اختيار المشرفين التربويين مؤخرا بالإضافة إلى نفور المتميزين من العمل الإشرافي، ولا أريد أن أطيل عليكم..