خزام عبدالله
بصوت عالٍ أجش ويحمل نبرة التوجيه
(تفضل، هذه هديتك التي وعدتك، وهي براند... وسعرها عالٍ جداً، ولها رقم تسلسلي بين مثيلاتها في العالم و..و..و....)
كنت حاضرًا وأشاهد هذا الموقف بين صديقين إن صح وصفهما كذلك، على الأقل في تقدير أحدهما، صديق يقدم هدية للآخر وبحسب السياق أعلاه كان ابتداء الحديث، ولكوني على علم مسبق بكون من قدم الهدية كان غرضه الحصول على مصلحة بحتة يفترض بي أن أنهي تدوينتي هذه بأحد إيموجيات الامتعاض ونقطة آخر السطر وكفى.
غير أن ثمة اعتبارات وتساؤلات مجردة أخرى حرضتني على إكمال تدوين ما أريد قوله، فطبيعة علاقاتنا البشرية لا تنفك من وجود تبادل منفعي مقصود وقطعي أو غير مقصود وتراتبي، وحتمية التواجد البشري تفرض قبوله على صوره المتباينة. ولكن استوقفني هذا الموقف أعلاه وولد داخلي تساؤلاً لماذا يفترض بأحدنا حين يقدم هدية أو عطاء ما لآخر يفترض أنه أقل قدرةً على تقدير قيمتها (المادية)؟ ولماذا أصبح المقياس الوحيد فقط هو السعر المادي لا القيمة المعنوية؟ إنه لا شك يراودني أن الإجابات عن هذا التساؤل ستكون متباينة ولن تتفق البشرية إطلاقاً على جواب ما، لاختلاف المرجعيات الثقافية والمكتسبات المعرفية والتمايزات المجتمعية، بيد أنه من الضروري واللازم إدراك حقيقة انخفاض مستوى المنسوب الإنساني داخلنا لمجرد التفاتنا للناحية المادية الصرفة للأشياء والهدايا والعطايا وكأننا أتينا للدنيا بمعيار وحيد (باركود) هو المقياس الوحيد الأصيل الذي تبنى عليه علاقاتنا بمختلف أشكالها.
لا يخفى بطبيعة الحال أن الاتجاه الرأسمالي الذي يضرب بجذوره اليوم في العالم بأسره أشبع البعد الإنساني فينا بلوثته المبنية على التقييم السلعي لكل شيء، حتى بات يشعر أحدنا أنه جزء من منظومة البضائع التي تضج بها الموانئ وأرصفتها ودكاكين الباعة غير أننا ما زلنا نحافظ جزئياً على أحقية التنقل والتحرك وذلك بثمنه أيضاً. يكاد يكون الرجوع إلى جوهريات الأشياء والعلاقات الإنسانية أشبه بالشأن الضبابي غير متضح المعالم، وهو الأمر الذي يعيقنا عن المحافظة على نمط الوشائج البشرية بعيداً عن تدنيسها بشرطية السعر والسعر المقابل.
أخيراً وليس آخراً من الأجزاء الإنسانية المتبقية في حياتنا هي المعنى العميق المصاحب لعطاءاتنا وهدايانا في المناسبة الاجتماعية أو حتى بدون مناسبة محددة ولا تعدو كونها تعبير عن شعور أعمق من أن يقال، لذا فلزاماً علينا المحافظة عليها وإبقائها في صورتها الأصيلة الشفافة بلا لوثات النفعية وإحكامات الشيء والشيء المقابل.