د. فوزية البكر
كما عودتنا جامعة الملك سعود على مبادراتها التاريخية باعتبارها الجامعة الأم، ظهر المرصد الوطني للمرأة ضمن نشاطات القيادات النسائية في الجامعة عام 2018 بقيادة فذة من وكيلة الجامعة لشطر الطالبات آنذاك أ. د. إيناس العيسي، الذي هدف إلى أن يكون المرصد الوطني لقياس مدى مشاركة المرأة السعودية في التنمية عبر بناء مؤشرات تفصيلية في مجالات متنوعة، تم بناؤها محليًّا مع الأخذ بالاعتبار المؤشرات العالمية والمعايير الدولية للتنمية المستدامة والمواثيق الدولية كافة التي ترعاها الأمم المتحدة، وتصادق عليها المملكة العربية السعودية.
وبعد طول مشاورات مع العديد من الأجهزة الحكومية والخاصة، وبعد عدد كبير من الورش العامة والخاصة، مع الاستعانة بالخبراء والاستشاريين المتخصصين في مجال البحث والتحليل والقياس، تم البدء تدريجيًّا في بناء مؤشرات المرصد الخمسة الحالية، وهي: المؤشر الاقتصادي الذي يركز على الدخل المالي للمرأة، ومدى مساهمتها الاقتصادية في التنمية، والمؤشر التعليمي لقياس مدى تقدُّم المرأة في المجالات التعليمية، والمؤشر التنظيمي، ويركز على قياس درجة شغل المرأة المناصب القيادية، وأثر ذلك في السياسات العامة، والمؤشر الصحي الذي يقيس متغيرات صحة المرأة، ودرجة وصولها للعناية الصحية، والمؤشر الاجتماعي، ويركز على وضع المرأة الاجتماعي، ومدى دعم المجتمع لعملها، وأثر ذلك في مجالات التنمية الوطنية.
ويهدف المركز إلى أن يكون عونًا لصانعي السياسات في مختلف أجهزة الدولة لتلمس احتياجات المرأة التنموية المختلفة، ومقابلتها بالبرامج التي تحسنها. كما يستعد المركز بشراكته الرائدة مع المؤسسة العامة للإحصاء، وبموقعه الخاضع للتحسين باللغة الإنجليزية، أن يكون مرجعًا للباحثين وللهيئات المحلية والدولية في كل ما يخص المرأة السعودية؛ إذ يحاول المرصد إلى جانب العمل على مؤشراته حصر المؤسسات والجمعيات والأبحاث والدراسات كافة ذات العلاقة بالمرأة السعودية لجعلها متاحة، وفي مكان واحد، لمن رغب.
ونظَّم المرصد الوطني للمرأة حتى الآن مؤتمرَيْن، آخرهما كان بالشراكة مع مؤسسة الوليد الخيرية والهيئة العامة للإحصاء، الذي عُقد يوم السبت الماضي 27 إبريل 2019 لاستعراض الدراسة المسحية التي تمت إثر هذه الشراكة، التي شملت 15 ألف أسرة، وذلك تحت عنوان (دور المرأة السعودية في التنمية: نحو مجتمع حيوي)، وشاركت في جلساته ممثلة الأمم المتحدة في المملكة، والعديد من ممثلي الهيئات المحلية المعنية بتمكين المرأة عبر البرامج المختلفة لرؤية 2030 التي وضعت معالم الطريق، وحددت المستهدفات الوطنية التي تجعل المرأة شريكًا حقيقيًّا وفاعلاً في التنمية كما ذكر وزير العمل والشؤون الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي.
ما يقوم به المرصد هو عمل جبار، وغير مسبوق بكل المقاييس.. والفكرة في حد ذاتها منجز وطني، عملت عليه الزميلات في جامعة الملك سعود لشهور طويلة حتى أضحى ما هو عليه الآن، وها هو الحلم الصغير يكبر ويكبر؛ ليعبر عن احتياج وطني حقيقي، سيسهم في تصحيح الصورة المغلوطة عن المرأة السعودية، كما سيعين الباحثين على العثور على الأرقام والحقائق والدراسات في أي حقل أرادوا.
يبقى أمرٌ مهم، أود أن أقترحه على إدارة المرصد، هو إضافة مؤشر سادس، يغطي الأطر القانونية والعدلية للمرأة؛ إذ مع التغيرات السريعة التي تشهدها بلادنا في ظل رؤية 2030 نرى أن القوانين المنظمة للمرأة في السلك العدلي والقضائي هي في حالة تغيُّر دائم. ومَن يتابع - مثلاً - ما تقوم به وزارة العدل تحت قيادة وزيرها الصمعاني سيُذهل لكل الجوانب الدقيقة، خاصة في مجال الأحوال الشخصية من حضانة وولاية ونفقة وزيارة محضون... إلخ من تفاصيل تمس حياة المرأة العادية غير الممكنة، وهي التي تهمنا؛ لأنها تمثل السواد الأعظم من نسائنا حتى الآن؛ لذا فمن حق هؤلاء النسوة أن نساعدهن على متابعة أي تغيُّر في المحاكم والقضاء وقوانين الأسرة والولاية؛ ليتمكنّ من استخدام القانون الذي هو في صالحهن الآن بما يخدم الأسرة، ويوفر الاستقرار لها باستقرار المرأة والأطفال.
شكرًا لكل من أسهم في هذا العمل الوطني الجبار، وشكرًا لفكرة التشارك بين مؤسسات المجتمع لتحقيق أهداف تنمية.. وأتمنى أن يكون هذا نموذجًا يحفز التعاون بين باقي مؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة لتحقيق أهداف وطن يركض باتجاه المستقبل.
اللهم احفظ هذا الوطن آمنًا مستقرًّا.