أتى على الجزيرة العربية كثير من الرحالة والمستشرقين، سواء بالعصر القديم أو الحديث، ولم يأتِ هؤلاء إلى الجزيرة العربية - وتحديدًا منطقة نجد - بدوافع استطلاعية وحبًّا بالمغامرة؛ إذ نجد لهم أهدافًا ومهامَّ استراتيجية محددة، سواء قدومهم عن طريق حكوماتهم لاستكشاف هذه المنطقة ووضعها الاقتصادي والاجتماعي والأمني، ووضع الحكومات المحلية التي تحكمها في ذلك الوقت، أو قدومهم عن طريق بعثات وهيئات ومعاهد علمية متخصصة؛ لتهيئ المستشرق والرحالة تهيئة كاملة من حيث تعلم اللغة العربية واللهجات المحلية، والتعرف على العادات والتقاليد لمجتمع المنطقة، حتى أننا وجدنا بعض الرحالة والمستشرقين دخلوا في الدين الإسلامي لحماية أنفسهم، وقاموا بحفظ القرآن الكريم من أجل أن يدخلوا مكة والمدينة المنورة، أمثال المستشرق الإسباني (دي منجو باديا). إذن من هنا لو تناولنا كل مستشرق، ورحلته التي قام بها للمنطقة، لأخذ ذلك منا مجلدات كثيرة؛ إذ نجد كل رحالة ومستشرق كتب عن المنطقة وعن شخصياتها ومجتمعها، ونجد منهم من خالف الحقيقة مضللاً بمعلوماته، ومغالطًا فيها، وكاذبًا بها، خاصة عن بداية قيام الدولة السعودية الأولى في قلب نجد، وعن رمزها العظيم الإمام محمد بن سعود، ومن بعده أبناؤه البررة - رحمهم الله - إذ لم ينصف الكثير من هؤلاء هذه الدولة التي قام بها حكامها من حيث بناء دولة تعيش وضعها وكيانها الخاص بها من حيث الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالمنطقة. ولو نظرنا لعدد الرحالة والمستشرقين الذين قدموا للجزيرة العربية سنجد أن عددهم أكثر من 60 رحالة ومستشرقًا. ونحن نقول إن تاريخ الجزيرة العربية من شمالها لجنوبها، خاصة منطقة نجد، لم يكن معروفًا بشكل علمي وتاريخي، ولولا تلك الرحلات لهؤلاء الرحالة والمستشرقين لطمس وغيب تاريخ المنطقة بشخصياتها وكيانها الاجتماعي والأمني والاقتصادي والسكاني، وإن كانت أهدافهم (سرية أو معلنة) بالكشف عن منطقة الجزيرة العربية، ولكن نعترف بأن هؤلاء رسموا وكتبوا ووثقوا وأعطوا صورة كاملة عن أوضاعها في تلك الفترة، إلى جانب الوثائق والمخطوطات وغيرها التي وثقت تاريخ نجد والجزيرة العربية؛ لذا يجب أن نعرف تلك المهمات والأهداف الحقيقية لهؤلاء الرحالة والمستشرقين، سواء كانت أهدافًا دينية أو اجتماعية أو استكشافية بكشفهم الطرق الآمنة بالمنطقة من برية أو بحرية لحكوماتهم في ذلك الوقت، كما أنها يمكن أن نتجاهل ونغفل ما كتبه هؤلاء من تاريخ الجزيرة العربية، والدور العظيم لكثير منهم، والإنجاز الذي حققوه برحلاتهم لتوثيق تاريخ المنطقة. من هنا يجب أن نستفيد من تلك الرحلات ومن شخصياتها من أجل أن يعرفها المهتمون والدارسون والباحثون عن تاريخ الجزيرة العربية، خاصة منطقة نجد.
بهذه العجالة لا نريد أن نتوسع بالحديث عن هؤلاء الرحالة، وما قاموا به من توثيق وبحث ورصد أثناء رحلاتهم للمنطقة، وعن التسهيلات والامتيازات والمخاطر التي صادفتهم أثناء رحلاتهم. وقد حان الوقت لإصدار موسوعة كاملة عن هؤلاء الرحالة والمستشرقين الذين قدموا إلى الجزيرة العربية، خاصة منطقة نجد، وما حملوا معهم من معلومات ووثائق ومخطوطات إلى ديارهم بحيث تكون هذه الموسوعة باسم (موسوعة الملك عبد العزيز للرحالة والمستشرقين)، يعكف على إصدارها علماء مختصون بتاريخ الجزيرة العربية ومنطقة نجد؛ لتكون موسوعة علمية تاريخية، ومرجعًا للدارسين والباحثين وللمهتمين بتاريخ المنطقة على ما قام به هؤلاء الرحالة والمستشرقون؛ فتتولى دارة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - تكوين لجنة علمية خاصة ودائمة، تعكف على إنجاز هذا المشروع العلمي الكبير. وإذا كان هؤلاء الرحالة والمستشرقون تحملوا المشاق والصعاب لسنوات لتوثيق رحلاتهم، أمثال فورستر سادلير ولويس بلي وتشالرز هوبير، ومن سبقهم كثيرون، فإن إصدار تلك الموسوعة قد يحتاج إلى سنوات لترى النور. واختيارنا دارة الملك عبدالعزيز لهذا المشروع العلمي التاريخي لكونها هي الجهة الرسمية والمؤهلة إداريًّا وعلميًّا وفكريًّا، والقادرة على إنجاز ذلك لما تحمله الدارة من مقومات من خلال الشخصيات الواقفين عليها، والمخلصين، وهم لا يألون جهدًا في الرصد والبحث والتوثيق والتحقيق العلمي في كل ما يخدم تاريخ المنطقة، أو من الجانب الإداري؛ إذ جعلوا الدارة منبرًا علميًّا ومرصدًا لحفظ الوثائق والمخطوطات لتاريخ الجزيرة العربية ومنطقة نجد؛ إذ لديها الباحثون والمختصون بوثائق ومخطوطات المنطقة من أجل أن يعطوا الصورة العلمية والدقيقة والصحيحة للدارسين والباحثين عن تاريخنا، إلى جانب ما تحظى به دارة الملك عبدالعزيز من احترام وثقة على المستوى الإقليمي والدولي لدورها الكبير وتعاونها مع كثير من المكتبات والمنظمات العالمية.
إذن، نحن أمام موسوعة تاريخية، نصحح بها، ونرد بها على الكثير ممن كتبوا ضد تاريخنا من الرحالة والمستشرقين الأجانب، ونرد بذلك على الحاقدين الذين يطعنون بالمملكة ليلاً ونهارًا، ويشككون بتاريخنا وثقافتنا وفكرنا ومجتمعنا وقادتنا وعلمائنا ومنهجنا القائم على كتاب الله وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وهو منهج قامت عليه الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود، وسار عليه من بعده أبناؤه وأحفاده البررة - رحمهم الله - ثم أتى من بعدهم فارس نجد مؤسس الدولة السعودية الثالثة المباركة الإمام والملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - الذي لم يُعطَ حقه تاريخيًّا عن دوره العظيم بإعادة ملك آبائه وأجداده مع رجاله المخلصين، وبناء هذا الصرح الكبير؛ ليكون وطنًا آمنًا.