رمضان ضيف عزيز, تشتاق إليه نفوس هممها عالية, طالبة جنة عالية, قطوفها دانية, فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] عملوا في الدنيا بطاعة ربهم, وقدَّموا صالحاً ظاهراً وآخر خفيَّاً, فالأعمال الصالحة الظاهرة مثل الصلاة المكتوبة في المسجد وهي من أحب الأعمال إلى الله, وأداء الزكاة إلى مستحقِّها, وصوم رمضان وغيرها من الأعمال الواجبة, والأعمال الصالحة الخفية مثل صلاة الليل (التهجد) ومثل الصدقة النافلة وأعمال البر والإحسان المستحبة.
في رمضان تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار, فأينك يا طالب الجنة, أرِ من نفسك تشميراً إلى الطاعات, وتوبة صادقة من الذنوب والسيئات, وإقبالاً إلى العمل الصالح الذي ترجو به رضا رب الأرض والسماوات, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) أخرجه البخاري.
وأبواب الجنة ثمانية يفتحها الله في شهر رمضان, وأبواب النار سبعة تُغلَّق هذا الشهر, وتُسلسل الشياطين فلا يستطيعون الإغواء فيه كما يستطيعونه في غيره من الأشهر.
فهذا الشهر مباركٌ وموسم عظيم من مواسم الخيرات, يتقرَّب فيه المؤمنون بكثرة من الأعمال الصالحة, فلا يُضيِّعون شيئاً من أوقاته, لعلمهم بفضل العمل الصالح فيها.
وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) أخرجه البخاري فأفضل الأعمال وأحبها إلى الله هي الفرائض, وقد تحتاج إلى ما يكمِّلها من النوافل, مثل السنن الرواتب وصلاة الليل, وصلاة التراويح والقيام في رمضان والصدقة النافلة وصيام الست والاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وغيرها.
ومن أحب الأعمال إلى الله بر الوالدين, هذا العمل الصالح الذين يغفل عنه كثيرون إلا من رحم الله, أرأيتم ولداً ينصرف عن خدمة أمِّه ليخدم غيرها من أصحابه أو غيرهم! أيظن أنَّه سيُوفق وقد زهد في عمل هو من أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة المكتوبة, سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أخرجه الشيخان.
أحسَنَ إلى نفسه من حفظ أوقاته واستيقظ من غفلاته وتاب إلى الله من سيئاته واستغفر ربه وإليه أناب ووصل رحمه وما قطعها وأكثر من تلاوة كتاب الله فختمه في ثلاث ليال أو خمس, وأحسن إلى نفسه من ساقها إلى الخير سوقاً, فأقبل بها إلى سعادتها في الدارين باغتنام المواسم والأوقات قبل الفوات.
فيا أيها الشاب ويا أيتها الفتاة هذه الجنة قد فُتِّحت أبوابها الثمانية وهذه النار قد أُغلقت أبوابها السبعة, فبادروا بكثرة الطاعات واجتنبوا المعاصي والسيئات, فإنكم في زمن يعمل فيه العاملون لينالوا رضوان الله الدائم لهم في الآخرة التي هي الحياة قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64] أي دار الحياة الكاملة, وكذلك فإنَّ حياة الآخرة حياة مستقرة, قال تعالى: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] قال الإمام السعدي رحمه الله: أي: (محل الإقامة، ومنزل السكون والاستقرار) والمؤمن يعلم أنَّه مهما تمتع من متع في الدنيا فإنَّه قليل؛ لأنَّها لا تكتمل وحتماً سيفارقها, فهو في الدنيا يجدُّ ويجتهد في الأعمال الصالحة ولا يقترب من المحرَّمات وينتهي منها ويتوب إلى الله من أي سيئة يقع فيها, ويُتبعها بالحسنة, ويخالق الناس بالخلق الحسن؛ ليفوز برحمة الله بالجنة ونعيمها الأبدي, جعلني الله وإياكم ووالدينا من أهل الجنة.
فها هو رمضان موسم يتسابق فيه المتسابقون إلى الخيرات فهنيئاً للسابق والمتسابق.