أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
الإرهاب ظاهرة عالمية عرفت منذُ قدم التاريخ وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجريمة أو لنقل إنها جريمة مركبة.. جريمة ترتكب بغض النظر عن الضحايا المفترضين، وترتكب لإحداث أكبر قدر من الدمار في الأنفس والممتلكات بغض النظر عن سقوط ضحايا أبرياء لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم موجودون في الوقت الخطأ في المكان الخطأ وهذه مقادير رب العالمين. الإرهاب جريمة مركبة ومضاعفة حيث إن الجريمة التقليدية الضحية فيها فرد أو أسرة أو مؤسسة تجارية أو غيرها.. أما في الإرهاب فالضحية فيها المجتمع كله، والضحية فيها الوطن، والضحية فيها الأمن والاستقرار. فالمجرم التقليدي قد تدفعه ظروفه المالية القاسية للسرقة، وردود الأفعال العنيفة للقتل، وظروفه الاجتماعية والأسرية للخمور والمخدرات والانتحار، ولكن الإرهابي ما هو إلا صنيعة وآلة صغيرة يلعب بها أعداء الأمة والوطن ويسخرونها كالدمية لأن يعمل بكل سادية ودموية ما يطلب هذا القائد الإرهابي الخبيث، والذي يدير الشبكة بواسطة الإنترنت أو رسائل الجوال.. ويرسل هؤلاء المجرمين الفارغة عقولهم وأذهانهم وقلوبهم من حب وطنهم وتقدير أسرهم للموت وهم يبتسمون، فهذا القائد الخبيث قد وعدهم عند الانتحار بالشهادة وأبلغهم أن سبعين من الحور العين في انتظارهم ولا يفصل بينه وبينهن سوى ضغطة زر تأكل الأخضر واليابس.. وهؤلاء الصغار لم يفقهوا فقه الجهاد الحقيقي وفقه الشهادة الحقة، وإلا هل تكون الشهادة وهو يقتل مسلمين مصلين أو يقتل ذميين مؤتمنين! ألم يقل المصطفى -صلى الله عليه وسلم - (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، (رواه البخاري). وفي قتل المسلم حرمة أكبر حيث إنه محرم عليه الجنة مخلداً في النار كما في نص الآية الكريمة: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. اليوم هناك هزائم عسكرية على داعش في العراق وسوريا ولهذا السبب فهناك محاولات من الدواعش للهرب من هذه الأماكن والجبهات والعودة لبلادهم. ولا استغرب مطلقاً عودة عدد من الدواعش لبلادنا وسوف يخلقون صداعاً للجميع بمن فيهم أسرهم والجهات الأمنية، حيث سيرجع هذا الداعشي المتطرف لبلاده لأسرة ما زالت تعاني التشتت والإهمال ولكنه هو الآن عاد بعقل وقلب جديد غير الذي كان عليه قبل سفره، يصبح في غربة عن المجتمع وعن الناس حيث يلهث الناس مثلهم مثل بقي البشر للحصول على الماديات والكماليات والأمور الترفيهية وعقله وقلبه هو معلق هناك في الجبهة فهو يعيش بجسده وليس بمشاعره ويحن للعودة لهذه الجبهات.. وبسبب هذا البعد العاطفي والنفساني والاجتماعي يبتعد عن المجتمع ويحاول الالتصاق بأصدقاء الجبهة القدامى ويلتقي بهم في استراحة أو مزرعة بعيدة خارج العمران..، وهنا تتكون ما يسمى جنائياً (الخلية النائمة) حيث مجموعة من الشباب لديهم أفكار متطرفة بعيدة كل البعد عن روح المجتمع ولديهم السلاح الذي يعتبرونه جزءاً من شخصية المحارب. يدخل أحد قادة الفكر الإرهابي المتطرف على هذه المجموعة ويشرح لهم أنه أخوهم ومحبهم وأن المجتمع لا يريدهم وأن هذا المجتمع بهذه المواصفات مجتمع كافر مرتد لا بد من الانفصال عنه وقتاله بالقوة وأن حربه أهم من حرب الكفار الأصليين وأهمية ضرب المصالح الحيوية في المجتمع.. كذلك يدخل هذا الخبيث مصطلح الشهادة أو لنقل الانتحار لهؤلاء المراهقين وأن هذا هو الطريق الوحيد لتغيير المنكر في المجتمع، وهذا القائد الخبيث يحاول اصطياد أسهل هذه الفرائس منهم ويحاول جاهداً الضغط عليهم ويقوم بعملية غسيل مخ لهذا المراهق ليقوم بعملية فيها كما أقنعه (رفعة الإسلام). وعند موافقته المبدئية أو لنقل أنه فقط متردد في القدوم على الانتحار أو (الشهادة كما يسميها هذا الإرهابي) يعمل له طقوس غريبة ورقصة هي أقرب لرقصات عباد الشيطان تسمى (زفة الشهيد) ونرى في الاسم اقتران الموت بالحياة، فالزفة هي بداية للحياة وللشهيد هي نهاية حياة وبداية أخرى، وهنا في عقل هذا المراهق يلعب فيه هذا الإرهابي ويدخل في مصطلحات غريبة عليه ولكنه يفرض عليه أن هذا الطريق الوحيد لإثبات وجهة النظر (السادية والدموية)، ويقوم هذا الفتى المراهق بالتفجير، وتفجع أسرته خصوصًا والديه بهذا التصرف الذي لم يفكروا فيه مطلقاً وأنه كان (مفاجأة) لهم أن ابنهم إرهابي. وهنا تقع المسؤولية الفعلية على عدة أطراف مهمة للغاية لعل منها الأسرة التي أهملت تربية هذا الفتى حتى وقع الفأس بالرأس ولم تسأل عنه ولا عن أصدقائه وأين يقضي وقته ومع من.. دخول هذا الفتى لعالم الإرهاب لا يكون بين يوم وليلة ولكن يأخذ عدة أشهر وهنا نرى بوضوح تقصير من الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل في الحماية والتربية والرقابة. إذا تقع علينا كلنا كمجتمع ومؤسسات عامة وأسر وجيران مسؤولية جسيمة في التنبه لهؤلاء الإرهابيين العائدين من معسكرات وجات داعش وأن نراقبهم ونحذر منهم فهؤلاء مثل الأفاعي السامة القاتلة يجب معها الحذر، وهنا دور للأسر والجيران في إبلاغ الجهات الأمنية عن هذا العائد للتأكد من مسلكه وتوجهاته.
** **
- أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم والمستشار الأمني