سمر المقرن
في مثل هذه الأيام من كل عام تواجه كثير من الأسر السعودية ظاهرة هروب العاملات المنزليات في استغلال صريح للحاجة لهن، الأمر الذي ساعد على تنامي وتضاعف أعداد البلاغات المسجلة لدى الجهات الرسمية لهروبهن، حيث تشير الأرقام إلى أن أعلى نسب بلاغات الهروب تكون في شهر شعبان قبيل رمضان، ويُرجع -بعضهم- الأسباب إلى الضغط الذي تتعرض له العاملة من أعمال وأعباء في رمضان بما لا يتناسب مع أجرها الشهري، وكذلك سوء المعاملة من بعض أفراد الأسرة التي تعمل معهم.
إلا أن السبب الحقيقي من وجهة نظري، هو المغريات المادية التي تنتظر العاملة بعد هروبها وفرص العمل خلال الشهر الكريم براتب وأجر أضعاف راتبها الأساسي، إضافة لزيادة الطلب عليهن في شهر الصوم وتشغيلهن بنظام الإيجار بمبلغ لا يقل عن الـ5 آلاف ريال بحسب مساحة المنزل وعدد أفراد العائلة، وكلما كبر المنزل وازداد عدد الأفراد، ارتفع أجر العاملة التي يتم تشغيلها بصورة غير نظامية، وساعد في تفاقم هذه الظاهرة وجود من يسهل لهن العمل، سواء من جانب السماسرة إذ يأتي سماسرة العمالة المنزلية في المرتبة الثالثة بعد سماسرة الأراضي وسماسرة السيارات، في استغلال صريح لحاجة المواطن الذي يعاني من تأخر استقدام العاملات، أو من جانب المواطن نفسه، ففي ظل مطالب الأسرة المتزايدة خلال هذا الشهر المبارك تتضاعف متاعب ربات البيوت وخاصة الموظفات، إضافة لرغبتهن في التفرغ لعيش روحانية هذا الشهر الكريم وللارتياح من بعض تلك الضغوطات فيتم الاستعانة بالعاملات المتخلفات أو الهاربات على الرغم من المبالغ الكبيرة المطلوبة.
إن مشكلة أو ظاهرة هروب العمالة المنزلية ليست جديدة، لكنها تتزايد وتتفاقم كل عام عن الذي سبقه، والجهات المعنية لا تزال تعقد الاجتماعات وتشكل اللجان وتتخذ أنظمة يرى البعض أنها لم تشفِ غليله حيث تكبّد خسائر صحية واجتماعية ومالية!
فكيف لنا أن تنتهي تلك الظاهرة في ظل تعاطي المواطن السلبي معها حتى وإن كان هو مكرهاً! وما مدى حاجتنا إلى أنظمة تحمي حقوق المواطن؟ وإلى متى تظل بنود العقود تتضمن حقوق العاملات فقط وتتجاهل حقوق المواطن؟
وليعلم الجميع أن التستر على العاملة بحجة وجود الأعباء المنزلية بشهر رمضان لن يحميه من العقوبة في حال حدثت أي مشاكل بسبب تلك العاملة الهاربة التي يُمثل وجودها قنبلة موقوتة قد يصدر منها ما لا يحمد عقباه. خاصة وأن هذه الممارسات تدخل عالمياً لدى كثير من المنظمات الإنسانية ضمن عملية المتاجرة بالبشر ويترتب عليها مشاكل أخلاقية وقضايا جنائية.
وعلى الرغم من مبادرة الجهات المعنية بتمكين مكاتب الاستقدام من تقديم خدمة تأجير العمالة المنزلية لعملائها بنظام الساعات، إلا أننا نرى أن هناك حاجة إلى تحديث وتفعيل الأنظمة والقوانين التي تردع كل من يثبت تورطه في تشغيل عاملة وهي على غير كفالته، مع تجريم العاملات الهاربات للقضاء على تلك الظاهرة وذلك بوضع عقوبات رادعة كالسجن ودفع الغرامات المالية وإعادة الحقوق المالية للكفلاء.
وهنا يبقى الدور الكبير على المواطن الذي يعلم أن تلك العاملة هاربة ويسمح لها بالعمل لديه، فأين هي المواطنة الحقة التي تحول دون أن نساهم كمواطنين في استمرار تلك الظاهرة من خلال التستر والايواء لعاملة هاربة ألحقت الكثير من الأضرار المادية والاجتماعية بكفيلها!