طلال أبو غزالة
أود أن أتناول معكم موضوع الضرر الذي ألحقه الإنسان بالبيئة، والإهمال المستمر من قبل المعنيين والمسؤولين وأصحاب المصالح في كبح لممارسات التي تفاقمت حتى أصبحت تهدد وجودنا على هذه الكرة الأرضية.
أشير هنا إلى الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر على معدل درجات الحرارة الذي من مظاهره ذوبان الجليد في القطب الشمالي وتأثير ذلك على الأحوال الجوية، التي تزداد اضطرابًا، ولدرجة خرجت عن السيطرة، ومن مظاهره أيضًا إنهاك طبقة الأوزون التي تحمي كوكبنا وإلى تأثير الصناعة وانبعاثاتها الضارة (وعوادم السيارات أحد أهم مصادرها) على نقاء البيئة، واستقرار الأحوال المناخية وغير ذلك.
وفي المقابل، وعلى مدى العقود المتتالية، اتخذت دول العالم إجراءات علاجية ساهمت في إبطاء تفاقم الأذى وذلك من خلال منع استخدام السوائل المضغوطة لغايات مختلفة، ومنع استخدام المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل واستبدالها بالورق في الاستخدامات اليومية المختلفة، وكذلك التحكم في الانبعاثات التي تضر بطبقة الأوزون، ولكن هذه الإجراءات على أهميتها، وعلى دقة الالتزام في تطبيقها في الكثير من دول العالم لم تعالج إلا القدر البسيط من المعضلة.
فالمشكلة الكبرى هي في الصناعة بمختلف أشكالها، وانبعاثات الكربون المدمرة للبيئة. وتجدر الإشارة هنا إلى (اتفاقية الأرض (كيوتو عام 1992 وعدم الالتزام بها واتفاقية باريس عام 2015 والتي انسحبت منها أمريكا منها بقرار من الرئيس ترامب.
ولما كان للتعديلات المطلوبة لحماية البيئة تأثير سلبي على أرباح الصناعات المعنية. كانت وما تزال هنالك مقاومة شاملة لها. بل إن شركة ألمانية عملاقة مثل فولكس فاجن عمدت إلى تزوير البيانات من أجل إخفاء نسبة الانبعاثات الضارة من مصانعها ما أدى إلى تعرض الشركة للمساءلة القضائية ودفع المليارات من الدولارات كغرامات جزائية.
وعلى غرار ذلك قاومت الصناعات الأمريكية دعوات تعديل منتجاتها (السيارات خاصة) لحماية أرباحها، مما دفع الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية إلى إنكار وجود المشكلة أصلا وعدم قبول فكرة الانحباس الحراري أو تهديد الصناعة للتوازن المناخي متهما الصين باختراع الفكرة لإلحاق الضرر بالصناعات الأمريكية! وما قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ذلك القرار الذي أقلق دول العالم، إلا تكريس لهذا المفهوم.
وخلال الأشهر المتلاحقة السابقة، ظهرت تحذيرات جديدة في العديد من الصحف الأمريكية الرئيسية والصحف العالمية، ومن قبل عضو مجلس النواب الأمريكي السيدة الكسندريا اوكازيو كورتيز بأن العالم سيصاب بالدمار خلال 12 عاما إن لم تتخذ الدول المعنية قرارات جذرية وحاسمة لحماية المناخ من الانهيار المحقق.
ويواجه الرئيس الأمريكي حاليا دعوات لتغيير موقفه الذي إذا استمر سيتسبب في خسارة الرئيس لأصوات الشباب في الانتخابات القادمة. إنه خيار بين أصوات أصحاب الصناعات وأصوات الشباب أصحاب المستقبل.
إن ما يهدد توازن الكون المناخي والبيئي معروفة للجميع ونحن نشهد ونتعرض باستمرار لأخطار العواصف المدمرة والفياضانات، أو الجفاف في بعض المناطق، والأضرار التي تلحق بالغابات والزراعة وارتفاع درجات الحرارة وغير ذلك.
ولكن كل الذي يحدث لا تقارن أخطاره بالذي سيأتي لاحقًا إذا لم تحدث المعالجة السريعة كما ينبه الخبراء والعلماء والمختصون. إنني في هذا المقال أضم صوتي لصوت المحذرين والمنبهين لتفاقم الخطر وأوجه دعوة لكل حريص على سلامة الإنسان والأرض التي يعيش عليها لرفع الصوت والدعوة للعمل بسرعة لكبح المأساة القادمة.
يجدر بالذكر أن ندوة بعنوان «الإشراف البيئي في العالم العربي» قد عقدت ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الأردن (البحر الميت) مطلع شهر نيسان 2019. وقد ناقشت الندوة قضايا أساسية تتعلق بحماية البيئة من خلال كبح كل ما يؤذي التوازن المناخي خاصة فيما يتعلق بالتركيز على الطاقة البديلة النظيفة والاستغناء التدريجي عن الطاقة التقليدية الملوثة، وكذلك تدوير النفايات وغير ذلك.
وخلال الندوة أعلن وزير التغيير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة عن وضع بلده لخطة لزيادة الطاقة النظيفة من 25 % إلى 50 % بحلول العام 2050 وهذه خطوة متقدمة تستحق كل التقدير والاقتداء.
كما أعلنت المديرة التنفيذية للبنك الأوروبي للاستثمار أن البنك استثمر حتى الآن ما يصل إلى 30 مليار يورو في المشاريع البيئية مما يساعد على التقليل من انبعاثات الكربون.
وأود أن أذكر أنني بصفتي رئيس فريق الأمم المتحدة لمعايير المحاسبية عام 1999 (UN ISAR) والإبلاغ جرى تكليفي أيضًا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة برئاسة فريق عمل لصياغة معايير محاسبية للمسؤولية البيئية. وذلك أيضًا بصفتي على مجلس الاتحاد الدولي للمحاسبين في نيويورك. وكان الهدف (IFAC) من هذه المعايير تحديد المسؤولية وتقدير كلفة أي ضرر يلحق بالبيئة من قبل الأطراف المعنية وتحميلها ذلك.
وقد أصدر فريقنا تقريرًا هامًا حول الموضوع ولكنه لم ير النور لأنه (حسب الجانب الأمريكي) يحمل الشركات الصناعية أعباء لا يمكن تحملها.
واليوم أشدد على أن الموضوع في غاية الخطورة وأن أي تأخير في إجراءات المعالجة سيضع العالم أمام كوارث لا يمكن اجتنابها خلال الأعوام القليلة القادمة.
وأختم بأن أوجه، قبل فوات الأوان، نداء لأمين عام الأمم المتحدة أن يرعى قبل فوات الأوان فريقًا من الخبراء في الذكاء الاصطناعي من الصين وأمريكا لإيجاد حلول الانبعاثات السامة لتصبح غير سامة، وذلك كمسار إضافي للحلول البديلة لتخفيف تلك الانبعاثات.