تمثل التنمية بجميع أبعادها أحد الدوافع الأساسية لإنشاء وسائل الإعلام الهادف, من أجل تفعيل عمليات المشاركة في التنمية بجميع أبعادها, حيث إن الدول النامية لا تستطيع أن تحقق أهدافها في التنمية بدون أن تولي اهتمامًا بأفرادها في مجتمعاتهم، في ضوء احتياجات ومكونات تلك المجتمعات لتحقيق مشاركة فعالة من جانب هؤلاء الجماهير في خطط وبرامج التنمية.
إن المسؤوليات تتعاظم على عاتق وسائل الإعلام الحديث في النهوض بالمجتمع وإنسانه, مما يجعل من العلاقة بين الإعلام والتنمية أكثر تقارباً، إذ من المعلوم أن وسائل الإعلام تقوم بدور فعال وقوي في صياغة الرأي العام وتشكيله إزاء كل القضايا التنموية المطروحة.
ومن هذا المنطلق زاد الاهتمام والتفاعل بوسائل ومنابر الإعلام الحديث, نظراً لأهميته ودوره التنموي في جميع المجالات، إذ أصبحت تلعب دور الشريك في تنمية المجتمعات, فهي بمثابة المنبر الإعلامي المشجع والداعم للتنمية بكافة أبعادها ومجالاتها، فهي من الوسائل التي يُعتمد عليها في إحداث التغيير الذي يتماشى مع متطلبات التنمية للمجتمع.
وفي هذا الصدد, يمكن تحديد الوظائف التنموية لوسائل الإعلام الحديث في مجتمعاتها بمجالات عدّة، ففي مجال التنمية السياسية، تسهم في تحقيق الوعي السياسي والتكامل لأفراد المجتمع, من خلال تكوين الصورة السياسية للمواطن عن النظام في مجتمعه, ومن خلال ما تقدمه من معلومات وتصورات حول جميع الأحداث السياسية, والمجريات الحاصلة, المحلية منها والدولية, مما يساعده على تكوين وجهة نظر خاصة به حول مجريات الأحداث السياسية الحاصلة في مجتمعه، ولذلك فإن بوسع وسائل الإعلام الحديث أن تسهم في تحقيق التكامل المحلي والإقليمي والدولي من خلال توعية المواطنين بمختلف القضايا السياسية.
وفي مجال التنمية الاقتصادية، فإن وسائل الإعلام الحديث تهتم بالبرامج الاقتصادية, وتقوم من خلال ذلك بالتعريف بالنشاط الاقتصادي, عن طريق نشر الأخبار والآراء والتحليلات وتفسير المصطلحات الاقتصادية المعقدة, ونشر المعلومات التي تشتمل على الحقائق والأرقام والإحصائيات والدراسات والأبحاث بشكل دقيق وواضح.
كما تعمل على تقديم كل المعلومات والتبسيطات لمختلف المفاهيم الاقتصادية للمواطن, وذلك لإفهامه ولإدراجه شريكاً مساهماً في قضايا التنمية لهذا المجتمع، إضافة إلى مساندة سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي, من خلال الحوار, والدور التوعوي الذي تقدمه للمواطنين من أجل الإصلاح والرقي التنموي.
وفي مجال التنمية الاجتماعية فإن وسائل الإعلام الحديث تعدّ الأساس في إنماء الوعي الاجتماعي, من خلال برامجها ذات الطابع الاجتماعي الإرشادي التوعوي, الذي يسعى إلى ترشيد الاتجاهات وتعديلها، كما وتحرص هذه الوسائل على تقديم مختلف القيم الإيجابية البناءة لهذا المجتمع, ومعالجة القيم السلبية السائدة فيه, فهي من خلال برامجها تشارك في مواجهة القضايا ذات البعد الاجتماعي وعلاجها, والتي يعاني منها الواقع المحلي بصفة خاصة, والمجتمع بصفة عامة, مثل البرامج الخاصة بقضايا البطالة، والإدمان, والتسرب المدرسي, وعمالة الأطفال, والتفكك الأسري, والطلاق وغيرها.
أما في مجال التنمية الثقافية فإن لوسائل الإعلام الحديث وظائف وأدواراً أخرى تؤديها في تنمية وتطوير مجتمعها المحلي, حيث تتمثل وظيفتها في مجال التنمية الثقافية بالعمل على تنمية الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع, عن طريق برامجها التي تعنى بتعميق قيم التسامح والحوار والتشاركية في المجتمع، كما تسهم في ضمان الأمن الثقافي للمجتمع المحلي وصيانة ذاتيته الثقافية.
كل ذلك قاد وسائل الإعلام الحديث إلى توجّه أكثر تخصصاً نحو مجال التنمية البشرية ومعالجة القضايا الأساسية والبارزة لا سيما في ظل تعاظم الأزمات, باعتبار الإعلام الحديث ووسائله المتعددة الهدف الرئيسي داعماً لجهود التنمية بأشكالها كافة، فأصبحت تلك الوسائل تؤدي دوراً مهماً في بناء ثقافة الأفراد داخل مجتمعهم, ضمن هذا النمط من البرامج المتعلقة بالتنمية المستدامة.