فضل بن سعد البوعينين
أنهى «مؤتمر القطاع المالي» دورته الأولى بنجاح لافت معلنًا ولادة أحد أهم المؤتمرات المالية في المنطقة، المعنية بالصناعة المالية، وتطوير السوق المحلية، وخلق منصة تشاركية مع رواد المال والأعمال والخبراء والمختصين محليًّا وعالميًّا.
نجح المؤتمر في استقبال أكثر من 4 آلاف مشارك، يمثلون 80 دولة، وعُقدت فيه 21 جلسة، وتم توقيع 22 اتفاقية، وإطلاق ما يقرب من 42 إعلانًا مرتبطًا بالشأن المالي، إضافة إلى الاجتماعات الثنائية التي بلغ عددها 179 اجتماعًا، التي تشكل أهمية بالغة في مسيرة التطوير والبناء، وعقد الشراكات، واستثمار الفرص المتاحة. تميَّزت جلسات المؤتمر بمواضيعها المهمة للقطاع المالي المحلي والعالمي؛ إذ صيغت موضوعاتها بعناية فائقة وخبرة فاحصة ومعرفة تامة بالقطاع.
ضمان جودة جميع المخرجات أمر لا يمكن تحقيقه؛ لذا يمكن مشاهدة التفاوت في مخرجات الجلسات، بالرغم من أهمية موضوعاتها المقرة من المنظمين، ونوعية المشاركين فيها؛ وهو أمر ربما يعزى إلى مديري الجلسات الذين تفاوتوا فيما بينهم في التحضير والإلمام بموضوعاتها، وآلية إدارتها، وقدرتهم على استخراج كنز المعرفة الذي يتمتع به جميع المشاركين الذين تم انتقاؤهم بعناية تامة. تكرار مشاركة المتحدث في أكثر من جلسة عامة من الأمور غير المستحبة في صناعة المؤتمرات، ويستثنى من ذلك التمييز بين الكلمة التي يلقيها المشارك، ومشاركته في الجلسة الحوارية.
بالرغم من دقة الإحصاءات، وشفافيتها، ودلالاتها النوعية، تبقى قاصرة عن رسم المشهد العام، ونجاح التنظيم، وتفاعل الجميع وتفانيهم لضمان نجاح المؤتمر، وتجاوز الأخطاء المؤثرة. من المبهج حقًّا أن ترى الشباب والفتيات السعوديين وهم يجاهدون لضمان كفاءة العمل وجودة المخرجات، وهو أمر يبعث على التفاؤل بنجاح «صناعة المؤتمرات المحلية».
لا خلاف على أهمية جميع الجلسات والإعلانات النوعية التي أُطلقت في المؤتمر غير أنني سأركز على إعلان «تخفيض قيمة الصكوك» الذي أعتقد أنه من أهم القرارات المحفزة لتنشيط السوق المالية.
خفض قيمة الصكوك من مليون إلى ألف ريال من الأمور المهمة الموجهة لمعالجة معوقات تعزيز استثمار الأفراد في سوق الصكوك والسندات، وتفعيل دورها المأمول، ونشر ثقافة الادخار الآمن من خلال اقتناء الصكوك الحكومية. لسنوات طوال عانت سوق الصكوك والسندات من غياب التداول بالرغم من إدراج سندات الحكومة والشركات فيها؛ ويعزى ذلك إلى ثلاثة معوقات رئيسة، هي: ضعف ثقافة الاستثمار، وغياب فلسفة الادخار، وضخامة قيمة الصكوك والسندات، إضافة إلى العمولات التي يرى الكثير أنها من المعوقات الرئيسة.
نجحت هيئة السوق المالية في معالجة المعوقات من خلال خفض أسعار الصكوك إلى ألف ريال، وخفض العمولة بنسبة 75 %، وإلغاء الحد الأدنى للعمولة؛ ما قد يسهم بشكل كبير في تحفيز التداول في الصكوك، وتعزيز ثقافة الادخار، وتنشيط السوق.
نجاح مؤتمر القطاع المالي اللافت في دورته الأولى يزيد من مسؤولية القائمين عليه لضمان استدامة النجاح، وتحقيق التطوير الدائم؛ وهو أمر يحتاج إلى إنشاء أمانة مستقلة ودائمة للمؤتمر، تُعنى بجميع شؤونه، وتسعى لتحقيق الاستدامة والكفاءة والمراجعة الدائمة لضمان جودة المخرجات.