د. حسن بن فهد الهويمل
الإسلام مِلَّة أبينا [إبراهيم] أبو الأنبياء، يقوم على الحق المطلق، والعدل المطلق. ويؤسس لـ[الحرية، والسلام، والمساواة] المنضبطة بمقاصد الإسلام: السلوكية، والتعاملية. فهي غير مطلقة، وغير مقيدة بقيود ثقيلة. إنها موجهة بما يمكن عده من باب الضوابط.
والحق، والعدل يجب أن يتجليا في الحوار مع المخالف. [النص] التشريعي مَوْئِلُ الجميع، ولكنه [معنى] يخضع لـ[فهم المتلقي]. وفهوم العلماء، والمفكرين ليست سواء في القدرات. وليست بريئة في التلقي، إذ هناك: تمذهبٌ، وأنساق ثقافية، وفهوم مبَرْمَجة، تقول ما قالت [حذام].
[النص] خاضع لتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ومحكوم بسائر الخلفيات الفكرية، والأنساق الثقافية، وبابُ الاجتهاد مفتوح لأهله، وللفارغين المجازفين.
ثم إن النص القرآني حمال أوجه في انفتاح عجيب، قابل لتلقي النوازل. ما نزل منها، وما لم ينزل. ولو كان مغلقاً، برهانياً لا يؤدي إلا دلالة كلماته الوضعية لضاقت حيل [أهل الذكر] بالنوازل الطارئة، التي لا يَحُلُّ اشكالها المعنى الوضعي الظاهر.
[الظاهرية] يرتهنون أنفسهم للدلالة المباشرة. والمؤوِّلة يسبحون في فضاءات النص. ولهذا تعذر الإجماع، وتعددت المذاهب. حتى قيل:- [من ادَّعى الإجماع فهو كاذب].
الفكر العربي فكر إسلامي في مجمله، قبل تبعيته للفكر الغربي، وتواصله مع الفكر المادي الفلسفي. والإسلام كوني، وليس عربياً خالص العروبة. فالرسالة عالمية، والرسول رحمة للعالمين، وليس لعنصر معين.
الإسلام يجمع بين خاصيتين، لم تجتمعا لأي رسالة سماوية من قبل:-
- العالمية.
- والأبدية.
وهذه المسؤولية الواسعة زماناً، ومكاناً تتطلب نصاً مفتوحاً، يتسع لهاتين السِّمتين، ومن ثم لا يستطيع أيُّ إنسان كائناً من كان أن ينتج نصاً يتسع [للعالمية، والأبدية] حتى الرسول:- [ولو تَقَوّل علينا بعض الأقاويل..].
الرسول مجرد متلقي، ومبلغ للقرآن:- {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، {إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ}، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}.
العلماء، والمفكرون، وسائر أهل الذكر متفاوتون في استنباطهم، وفي حوارهم، وفي إبلاغهم. وكم من مُنَفِّرٍ بفظاظته، وغلظة قلبه.
الرسول المؤيد، والمنصور يتخول أصحابه في الموعظة، ويتصف باللين، وهذه رحمة من الله، وتمكين له من قلوب أصحابه. وكثير من الدعاة يوجفون بكلام يضر، ولا ينفع. ينفر، ولا يؤلف. يُشكِّك، ولا يُقْنِع. والخليفة الراشد [علي بن أبي طالب] رضي الله عنه يقول:- [حدِّثوا الناس بما يعقلون]. ويقول:- [لا تجادلوهم بالقرآن لأنه حمال أوجه] أو كما قال بأبي هو وأمي.
لقد تعامل الرسول مع المشركين الذين جُندوا لثنيه عما بعث به باللطف، والإكرام. وحسبك أنه يدعو خصمه بكنيته، لإدخال السرور على قلبه، ونَزْع الغل منه. المُصْلح كالطبيب، والمنحرف كالمريض، والتلطف، واللين نصف العلاج.
لا ننكر أن بعض العلماء فيه حِدَّة، وحَدِّيَّة. وقد يكون ذلك ردة فعل، فبعض الخصوم أقوياء، ألدَّاء، مُستفزون. بل يتعمدون الإيذاء، ليجروا خصومهم إلى الجهر بالسوء. مثلما فعلوا مع شيخ الإسلام [ابن تيمية] رحمه الله. ولاسيما أن العنصر [الكردي] فيه حِدَّةٌ، واندفاع.
و[قصد الحوار] عدله، واستقامته، ومعقوليته، وواقعيته، وإنصافه. وفي الذكر الحكيم {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} فالحق، والعدل الذي يجب على المسلم أن يتحلى بهما يقتضيان [قصد الحوار] والبحث عن الحق، واستبعاد شهوة الانتصار، والغلبة، والإقصاء، واحتكار الحقيقة، وتجريم الخصم، لمجرد أن فهمه أدى إلى مخالفة الغير.
هناك اختلاف تنوع، واختلاف تضاد، واختلاف معتبر، واختلاف غير معتبر، ولكل اختلاف طريق إدارة يحفظ لكل الأطراف حقوقهم.
مهمة العالم أن يكون ناصحاً لله، ولرسوله، وناشداً للحق. يقف حيث تستبين له معالمه.
[الهوى]، و[الشهوة] إذا ركبت الرؤوس تحولت الرؤوس الآدمية معها إلى حقول ألغام مفخخة تنفجر بكل من يقترب منها.
المتطرفون، والمتشددون، والمنغلقون، ومتعصبة الطوائف، والمذاهب تؤزها الأهواء، والشهوات لتكون بؤر توتر، وعوامل فرقة. وبنيات طريق حذر منها الرسول لأنها مظنَّة الجور، والضلال.
الأعداءُ المتربصون يضيفون [الجور، والضلال] إلى المبادئ، ولا ينظرون إلى تصرف الجهلة، ومخالفتهم الصريحة لمقتضيات النصوص، ومقاصد الشريعة.
الإسلام بوحييه جاء رحمة للعالمين، يُحرم الظلم، والجور، والتعسف، حتى مع العدو فضلاً عن الخصم. ويدعو إلى السلام، والعدل، والإحسان:- [إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح]، [في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ]، [دخلت امرأةٌ النار في هرةٍ ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض]. وجمعيات [الرفق بالحيوان] لم يبلغوا مُدَّ الإسلام، ولا نصيفه.
واقع المسلمين مدان، لأنهم أقاموا حروف القرآن، ولم يقيموا حدوده. حتى تداول البعض مقولة أحد المفكرين:- [وجدت مسلمين، ولم أجد إسلاماً]. وحين سئل أحد العلماء عن قوله تعالى:- {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. وهو قد جعل أكثر من سبيل. قال:- [كن مؤمناً ليتحقق وعد الله]، {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.
إن هناك إسلاماً متعدد السمات:- سياسياً، وفكرياً، وحركياً، وطائفياً، وشعارياً، ومصلحياً. ولما يكن الناس على ما كان عليه محمد، وأصحابه.
والمؤشرات تؤكد الغثائية، ونطق الرويبضة، ووسد الأمر لغير أهله مما أخبر به من لا ينطق عن الهوى.