كتبها الدكتور القدير عبد الله بن ناصر السدحان
قراءة
حنان بنت عبد العزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
اتسمت الحضارة الإسلامية بجم من السمات، استطاعت بها أن تفوق حضارات العالم كله بأجمعه. وما وصول الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق عليه الرضوان والغفران إلى قلب جبال الألب في صميم الحدود الفرنسية إلا دليل على تفوق حضارة الإسلام، وعلوها على غيرها من الحضارات العالمية البارزة، كحضارة الدولة الفرنسية. وذلك فضل الله وحده، يهبه من يشاء، والله ذو الفضل العميم. وأهم ما تحويه الحضارة الإسلامية تناغمها مع أهم وأبرز الجوانب الشخصية الإنسانية الإيجابية التي أودعها بارئ البريات في شخص الإنسان، وهي جانب الخير والبر والرحمة على ذوي الطبقات المدقعة الفقيرة التي نطلق عليها ضمن مفاهيمنا الإسلامية الاصطلاحية مفهوم (الوقف).
للمسلمين على نزورة وفرهم
كنز يفيض غنى من الأوقاف
كنز لو استشفوا به من دائهم
لتدجروا منه الدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشء فيه ثقافة
لتثقفوا منه بخير ثقاف
ولو ارتقوا بجناحه في عصرهم
لأطارهم بقوادم وخوافي
وقد كتب كثير من الباحثين والدارسين والمدققين عن الوقف، وأفاضوا في ذلك بشيء غير قليل، لا يستهان به، بل تفوقوا فأبدعوا.
وبين ناظري كتاب، ينضم إلى هذه الزمرة الزكية، وقد أسلفت لك عنوانه مطرزاً بمؤلفه ومعنونه، الذي تناول ظاهرة الوقف، وبيّن أثرها وتأثيرها في المجتمعات، بأسلوب متين، وبنسق مبين.. حق كل الحق هو كتاب فذ فريد، أبدع فيه راويه وناسخه سعادة الدكتور القدير عبد الله بن ناصر السدحان كثيراً كثيراً، فما زال مكللاً بحفظ الله ورعايته، وطرق فيه خمسة مباحث، قد نظمها في عقد بهيج، وجاءت متتابعة كالآتي:
1- الآثار الاجتماعية للأوقاف.
2- كيف نوجه مصارف الأوقاف لتلبية احتياجات المجتمع.
3- رؤية مستقبلية لدور الأوقاف في الاستفادة من الشباب.
4- الأوقاف على الحرمين الشريفين خارج المملكة العربية السعودية.
5- الاندثار القسري للأوقاف.. المظاهر والحلول المقترحة.
وقد ضرب مؤلف الكتاب كبد الحقيقة حين درسها من ناحية اجتماعية بحتة، وهي مدى ومقدار مدها وجزرها في علاقتها بالمجتمع.
وهنا وقفة لامعة، تحتسب لمؤلف الكتاب - رعاه الله - وهي مدى التناغم والانسجام بين ماهية الكتاب وما نظمه الحاج أحمد بن شقرون؛ ليحدد في هذا النظم النضير مجالات الوقف ومصارفه الاجتماعية حينما هلل وجه الوقف بقوله:
أصخ تدر ما سدى أخ الذوق من جدا
وفي حبس يستحسن السبق للخير
يستهويك أيها القارئ المتذوق محطات علمية شرعية اجتماعية، تُرضي ذوقك، وتطرب سمعك، وتثري ثقافتك، وتوسع مداركك.. وحري بك أن لا تنسى أسلوب الكتاب السهل الممتنع، رغم أن لغة الكتاب راقية جداً؛ فهي تناسب أغلب شرائح وطبقات المجتمع إلا ما قلَّ وندر.. فرغم أنه يتحدث عن علم شرعي، وفرع ديني، إلا أن لغته المنثورة خالية من اصطلاحات الفقه المؤصلة العويصة الصعبة، مع تقديرنا واحترامنا لها ولمريديها، فهي لغة لا يفهمها إلا خاص من خواص أهل العلم الشرعي، وأرباب الفقه الديني، لله درهم ومنه تعالى دررهم وجزاؤهم، لهم جزاؤهم الوفير عند ربهم {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
والمطلع في الكتاب تزكي ذائقته روح الأمانة العلمية البحثية في المبحث وناسجة نقلاً واقتباساً وإيجازاً. ومن تأمل الحواشي سيلمح ويدري هذه السمة، كما يرى الفنية التشكيلية الدقيقة الذكية في التعامل مع مصادر الكتاب ومراجعه. وهذه السمة جاءت في كل مباحث الكتاب، وهذه طريقة الدكتور القدير النحرير عبد الله بن ناصر السدحان - حرسه الله - فهي شنشنة نعرفها من أخزم، فلله دره.
ولم يقتصر الكتاب على مباحث أُجريت في المملكة، بل تناول غيرها من أصقاع العالم، كدول الخليج العربي - عمَّرها الله - والتعامل مع النصوص المنسوجة في متن الكتاب، ثم وسم المصادر في حواشي الكتاب ليست دالة على أمانة الباحث فقط بل لها كل الدلالة على سمة مهمة، لا بد أن يطرز به الباحث عارضيه، وهي شملة الثقة بالنفس، والصدق مع الذات، والترفع بالقيم وجميل الخلق وحسن الشيم.
ومحطات الكتاب ماتعة ممتعة، منها ما ساقه المؤلف - حفظه الله - عن غرائب الوقف، كوقف الإبريق ووقف العلم صلاح الدين الأيوبي، والموقف الذي يسبل ريعه في الإنفاق على النساء والمطلقات والأرامل. وهذا النوع من الوقف يشمل بيئة حياتية كاملة؛ فإلى جانب الإنفاق يحرص هذا الموقف على الجانب العلمي التعليمي للمرأة والرجل سوية، وفيه كفاف لطالب العلم أن يتفرغ للعلم.
وهذه الدور تحولت إلى ديار علمية وتعليمية، تنم عن مستوى التحضر الذي صبا له المسلمون.
وآخراً: فالكتاب في سنده ذائع، وفي متنه رائع، يبدع أفكاراً جليلة، ويعرضها بطريقة فريدة.. فللمؤلف جزيل التقدير والامتنان.
** **
عنوان التواصل:
ص.ب 54753 الرياض 11524
hanan.al saif@hotmail.com