عبد الله باخشوين
تجربة (مشاهدة) الأفلام السينمائية -خصوصاً الأجنبية- بدأت في وقت مبكر من حياتي.. أسوة بكل الذين أعرفهم من أبناء جيلي.. ذلك أن الطائف توجد به عدة (صالات) تعرض الأفلام (عصراً) فكنا نرتادها قبل أن نصل إلى (السن) التي يسمح فيها لنا بالتأخر عن العودة إلى المنازل بعد صلاة العشاء بقليل ثم إلى الوقت الذي يمكن أن (نتسلل) فيه بعد موعد نوم أهل البيت.. أو في (ليلة الجمعة).. أما في شهر (رمضان المبارك)، فنعود عندما (يضرب مدفع السحور). طبعاً لا أزعم أن كل هذه الأوقات كنا نقضيها في مشاهدة (الأفلام).. فلو كان الأمر هكذا كنا أصبحنا (مخرجين بدون معلم) على طريقة كتيبات (تعلم الإنجليزي دون معلم).. التي لم نتعلم منها سوى بعض (الشتائم) فقط. أما السينما فقد أهدت لنا (المتعة الحقيقية) وفتحت مخيلاتنا على آفاق بعيدة. صحيح أن معظم الممثلين الذين أعجبونا لم تكن أسماؤهم إلا بالوجوه.. رغم أن بعض الصالات تضع على الباب (سبورة) تكتب عليها أسماء (شهيرة) وجاذبة.. مثل (شارلز برونسون.. وصوفيا لورين.. وبرجيت باردوا.. وكلنت استود.. ومارلين مورنو... وطبعاً جيمس بوند)... إلا أن بعض أصحاب الصالات كانوا لعدم خبرتهم في الأفلام الأجنبية (يتورطون) في بعض الأفلام التي لا تعجب (الجمهور) مثل (زروبا اليوناني) وكنا نتحاشى مشاهدة أفلام النساء اللاتي ذكرتهن لأنها (تعتبر) شديدة (الملل) وخالية من (الأكشن).. وغني عن القول إن أفلام (الوسترن- الكابوي) هي أكثر الأفلام جذباً. كل هذا لأصل للقول إنني (تورطت) ذات عصر.. أو ذات مساء (لا أذكر) في مشاهدة أحد الأفلام.. التي لا تعجب (الجمهور).. ومن شدة كرهي له.. لا أذكر اسمه ولا اسم البطل ولا البلد الذي أنتجه.. وكنت أتحاشى الحديث عنه حتى لا يسخر (الشباب) من ورطتي فيه.. لأن (المشاهدة) بـ(ريالين) كما أظن.. لكن الأمر يتعلق بمبلغ لا يتوافر لمن هو مثلي بسهولة ولم أستمتع بمشاهدة الأفلام إلا بعد أن (احترفت) مهنة (غسل السيارات) وأصبحت قادراً على الاحتفاظ بمبلغ مناسب لدخول السينما.. وبالعودة للفيلم الذي تورطت في مشاهدته.. لم يخيل لي يوماً أنه سيترك في نفسي ومخيلتي كل هذا الأثر الذي.. يلازمني حتى الآن والذي أزعم أنه لعب دوراً مهماً في (تعليمي) قواعد الكتابة القصصية. الفيلم.. ليس به سوى (بطل- وطائرة). طائرة صغيرة (خاصة) يستقلها البطل ليقوم بغامرة قطع (المحيط).. ربما هرباً من إشكالات حياته.. يشعربحالة متعة لا حدود لها.. لأنه وحيد لا ترافقه سوى (أفكاره) وهي ممتعة.. حيث نجده يتحدث مع نفسه بصوت عالٍ.. ويضحك و(يهذي).. إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يكتشف فيها أنه ليس وحيداً وأن هناك من يرافقه.. حيث يجد داخل (الكبينة) أن بصحبته (ذبابة).. وهي حالة أزعم أننا (كلنا) قد مررنا بها ونحن (نقود) سياراتنا.. وما عليك سوى تذكر انزعاجك من الذبابة.. وتذكر معاناتك وأنت تحاول طردها أو إخراجها أو قتلها.. فيما هي تحوم وتتنقل من مكان إلى مكان.. ليس هذا فقط لكنك تجدها تحط على يدك على (الدريكسيون).. أو تحاول ملامسة (وجهك) فيما أنت تجتهد لإبعادها.. بل والغريب أنك بعد إبعادها تظل تتلفت متوهماً أن هناك سواها.. وفي النهاية بعد كل معاناتك.. تحمد الله أنك لم تصطدم بأحد أو شيء ما خلال انشغالك عن القيادة بملاحقة تلك الذبابة اللعينة.. أما صاحبنا (داخل الطائرة).. فإن الذبابة تتكفل بتدمير (مزاجه) وتنغص عليه -ليس متعته- ولكن كل ما فيه من أعصاب بعد أن تفشل كل مطارداته.. وطبعاً هو ليس مثلك يستطيع فتح نافذة السيارة وأمام استحالة إمكانية فتح كبينة القيادة كاحتمال أخير قد يساعد على إخراجها يصل إلى حالة تعرضه وطائرته للخطر. طبعاً لم أنتظر نهاية الفيلم ولا أدري من انتصر في تلك المعركة غير المتكافئة.. وخرجت من (الصالة) من شدة الملل الذي أصابني..وكنت على يقين من انتصار (الذبابة) وقلت لنفسي: ذبابة هذي إيش تحسبها لعبة؟! لكني خجلت أن أقول للعيال.. عندما وصلت المقهى وسألوني فين كنت (غاطس)..؟! إيش تبغاني أقول: كنت أشوف فيلم.. البطل يتصارع فيه مع ذبابة؟! وأصير حكاية.. يضحكوا عليها لليوم وبكرة... مصيبة.