عبده الأسمري
دخل من بوابة «الإذاعة» واستوطن في «ذاكرة الإعلام» واحتل مساحته «المنفردة» وسط ذائقة الجمهور.. تاركًا صوته «كلحن» مستدام مخلفًا صداه كوهج مستديم.
إنه المذيع والإعلامي الخبير الشهير الدكتور بدر كريم رحمه الله أحد عتاولة الإذاعة وسلاطين «المايك» في السعودية والخليج.
بوجه «حنطي» ساحلي الملامح أليف المحيا مع سحنة تعتقت بصفاء البحر وتشربت نقاء الأرض وعينان ممتلئتان بنظرات «الخبرة» وإيماءات «الإنصات» وتقاسيم «ينبعاوية» تتقاسم مع والده وميض الطبيعة وتتقاطع مع عائلته في الهيئة والهيبة. مع شارب ولحية مرسومة باعتدال وهندام أنيق يميزه البياض يستند على قامة فارعة الحضور بارعة الاستقامة. وصوت ناطق بالشغف ينطلق من حنجرة «فريدة» وينطق بمغامرة «منفردة» وسط تناغم لغوي يكاد يرى بالبصر ويمسك بالحواس قضى بدر كريم عقودًا وهو يرافق الوجهاء ويرفق بالموهوبين ويترافق مع أصالة نفس مغرمة بالإبداع غريمة للتميز فكان رقمًا «صعبا» ملأ خانته في متون «المؤثرين» وأكمل متانته في فنون «الإعلاميين» فظل سندًا للتلميذ وعضدًا للزميل ومددًا للمبتدئ وعتادًا للمهنة.
في ينبع ولد وتقسمت طفولته ما بين «ذهنية» مفعمة بحكايات الأصالة وسط الطيبين وعقلية «مشبعة» بعبارات العون بين المكافحين فتفتحت أنفاسه على نسائم شواطئ الساحل الغربي ونشأ مخطوفًا إلى «براهين» البراءة في وجوه البسطاء ومكملات «الجرأة» بين واجهات الموضوعية. وتربي في كنف والدين علماه «تفاصيل» الفضائل و»مفصلات» المعروف فاكتملت في طريقه «موشحات» اليقين و»نداءات» الأماني.
ركض صغيرًا يراقب مكبرات الصوت في جامع حيه وأنشد إلى النداء الإلهي القويم فاستأذن ذات يوم المؤذن ليطبق الهواية من أعظم منصة أرضية كأول درس نموذجي كان «مبتدأ» للدافع و«خبر» للامتياز في جملة اسمية بتوقيعه.
ثم انتقل إلى جدة فنازل الصعاب واستنزل الهمم فعمل مخلصًا جمركيًا ومضى يراقب اتجاهات «النتاج» في عيون التجار ودلائل «الكدح» في مطامح العصاميين ثم تعين في وظيفة كاتب صادر ووارد براتب 370 ريالاً كان يخصص ثلثيها للكتب والصحف والمجلات ليصافح الورق ويصالح ذاته المشبعة بالأدب.
تأثر بدر كريم بلغة عباس غزاوي وبلكنة عزيز ضياء وفصاحة سالم باوزير وحصافة حسين نجار فشكل صوتًا خليطًا من التناغم والتناسق كان يؤدي بروفاته «خلسة» في حجرته الصغيرة المكتظة بأجهزة المذياع وعبارات الإلقاء وقصاصات الشعر وأوراق الذكريات،
سار كريم بين قطبين فاخرين من العمل الدؤوب والمرابطة على أبواب الإذاعات ودراسة المنازل التي كان فيها «الناجح الوحيد» رغمًا عن تنقلات السفر ومتاهات الظروف.
تعلم من الكبار «الأستاذية» واستلهم من الاقتدار «السلطنة» فكان يرضخ «الكلمة» ويذعن «العبارة» لصوت جهوري مكلل بالجمال مرتل بالامتثال.
استدعته الثقة فرافق الملك فيصل رحمه الله أعوامًا طويلة كان فيها المذيع الرئيس ورئيس الوفد الإعلامي و«المدير الفني» للتغطيات.. فبدأ المشوار من قمة لا تقبل النزول منها فظل يسير بثبات وإثبات حتى ظل «رمزًا إعلاميًا» و«صوتًا وطنيًا» يتردد صداه في ذاكرة التاريخ ويتمدد مداه في آفاق الأجيال.
ظل كريم باحثًا عن العلا وأكمل العقد المهيب من الدراسة والخبرة ومن الدراية والإنتاج حيث نال الماجستير والدكتوراة في سنوات من البحث العلمي والنقاش المعرفي والصعود إلى القمم بوقود الهمم.
شغل كريم العديد من الوظائف القيادية والتكتيكية حيث عمل مراقبًا للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عام 1957م ومذيعًا بالإذاعة السعودية، وعين عام 1980م مديراً عاماً للإذاعة السعودية. ثم مدير عام لوكالة الأنباء السعودية. وعمل محاضراً في قسم الإعلام بجامعة الإمام بالرياض. واختير عام 2001م عضواً بمجلس الشورى السعودي ليكمل فيه منظومة البهاء الوطني ثم رئيسًا لمركز غزوة للدراسات والاستشارات وألف العديد من الكتب المتخصصة في الإعلام والسيرة والعمل الإذاعي والأكاديمي وكتب مئات المقالات والمشاركات في الصحف والمجلات.
وافته المنية يوم السبت 25 شعبان 1436 هـ بعد صراع مع المرض.
عاش ركنًا من أركان الإِنسانية في نوائب زملائه وعمودًا من أعمدة الإغاثة في مواقف معارفه.. وصوتًا شجيًا زامراً بالعطاء يملأ مكانه أينما حل وحيثما ارتحل كعادة النبلاء.. واعتياد الفضلاء.. ترك بدر كريم صدى يتردد في القلوب ومدى يتصاعد في العقول بالذكر الحسن والاستذكار الأحسن.. مخلفًا في مساحة «التكريم» قراراً للعقلاء بوضعه في متن «التشريف» كما كان شريفًا عفيفًا يرسم خريطة العطاءات في الأدمغة والأفئدة.