د.عبدالله بن موسى الطاير
استأثرت المجازر الإرهابية التي شهدتها سيرلانكا بالعناوين البارزة في الصحافة العالمية، ولو كانت في دولة شقراء العيون، زرقاء الدماء لرأينا اهتمامًا عالميًا مضاعفًا. إلى جانب هذا الحدث المأساوي تعرضت المملكة إلى محاولة إرهابية كانت ستطيح بالعشرات من الأبرياء لو أنها نفذت ضد موقع أمني في مدينة الزلفي. توفيق الله ثم يقظة رجال الأمن أحبطا ذلك الهجوم، وقتل الإرهابيون. حدث بارز أسقطه الإعلام الغربي، ولو كان في غير السعودية لصنع عناوين تمجد المهنية الأمنية، وتشيد بقدرات رجال الأمن في جمع المعلومات وتحليلها واعتراض العمليات الإرهابية قبل وقوعها. هذا التجاهل لم يحل دون السعوديين واعتبار المنجز الأمني تطورًا نوعيًا اكتسبه الأمن السعودي على مدى عقود من مواجهاته مع التنظيمات الإرهابية وخلاياها النائمة.
وفي حربها الطويلة ضد الإرهاب نفذت المملكة الأحكام التي صدرت على عدد من الإرهابيين الذين عرّضوا أمن الوطن للخطر، وأسهموا في سفك الدماء وقتل الأبرياء. وفقًا لقوانينها الشرعية أعملت فيهم القصاص، إما حرابة أو تعزيرًا، ولم تفرق بين المدانين بناء على مذاهبهم أو مرجعياتهم الجغرافية، فالجميع مواطنون سعوديون ارتكبوا جرائم تستحق من وجهة نظر القضاء القصاص وقد تم التنفيذ. السعودية ليست وحدها في الحكم بعقوبة الإعدام، فهناك أكثر من 50 دولة في العالم تطبق القتل على بعض الجرائم، وتتصدر الصين وإيران المشهد الذي لا تغيب عنه الولايات المتحدة الأمريكية، لكن أي من الدول سواء الصين أو إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية أو سنغافورة لا تتعرض للهجوم الإعلامي الغربي الذي تتعرض له المملكة عند تطبيقها أحكامًا شرعية بالقصاص.
الصخب الذي اجتاح وسائل الإعلام بعد تنفيذ أحكام القصاص لم يتمكن من حجب خبرين مهمين فرضا نفسيهما على العناوين؛ أولهما عودة كبار رجال الأعمال في «وول ستريت» إلى المملكة التي قاطعوها بعد حادثة اغتيال خاشقجي رحمه الله. حيث نشرت صحيفة فايننشال تايمز خبرًا بعنوان «السعودية تجذب الممولين مرة أخرى مع تلاشي الغضب»، ومن بين المستثمرين العائدين للسعودية لاري فينك، وهو الرئيس التنفيذي لبلاكروك، وجون فلينت الرئيس التنفيذي لمجموعة اتش اس بي سي HSBC، ودانييل بينتو وهو المدير التنفيذي للعمليات في جي بي مورغان، إضافة إلى شين تشو وهو المدير الإداري لمورغان ستانلي في آسيا، فلماذا عادوا؟ سؤال أجاب عنه لاري فنيك قائلاً: «إنه لشرفٌ أن أعود إلى المملكة العربية السعودية»، مضيفًا: «نحن ملتزمون، وهذا اقتصاد نثق به كثيرًا». عودتهم بحسب تصريحاتهم ليست مجاملة ولا تكفيرا عن خطأ المقاطعة، ولكن لأن الاقتصاد السعودي ضخم ومحل ثقة. أما ثاني الأخبار الإيجابية فهو أن الميزانية السعودية حققت فائضًا بنحو 27.81 مليار ريال خلال الربع الأول من 2019، وذلك لأول مرة منذ عام 2014م.
جميل أن تدير أزماتك بروية، وألا تتخذ قرارات انفعالية لمعاقبة المستثمرين بناء على مواقف عاطفية اتخذوها على إثر الحادث، وقاطعوا إِذ ذاك دافوس الصحراء. لقد تصرفوا تحت وطأة تغطيات إعلامية رهيبة كانت كفيلة بثنيهم عن خطط المشاركة، وأحسن من بيدهم القرار السعودي أنهم تركوا الباب مواربًا لنشهد المقاطعين بالأمس يقتحمونه اليوم بقوة مبررين غيابهم، بل يتحدثون عن الجوانب الإيجابية للأزمة.
الإعلام الموجه يستهلك نفسه بعد حين عندما تنكشف سوءته للناظرين، والقطيع الذي ينتشر على نواصي الشوارع ولا يراه سوى صحفيي قنوات الجزيرة لن يشوه منجز وطن تعود التأقلم مع التحديات. قناة الجزيرة وما يدور في فلكها من الوسائل التي تعلن حربًا شاملة على السعودية، تسعى جاهدة لتغذية السخط والإحباط، وتجاهلها للمتغيرات الإيجابية التي تحدث بعيدًا عن تغطيتها لا يعني أن تلك المنجزات غير موجودة، المطلوب فقط هو تغيير القناة.
عودة أباطرة المال والأعمال للسعودية، وتحسن الميزانية، وتقديم السعودية والإمارات 3 مليارات دولار لدعم استقرار السودان والمنطقة، يرسلان رسائل للمستأجرين الذين يشتموننا في بعض الشوارع أو القنوات العربية كلما امتدت يد سعودية صادقة بالمساعدة: كونوا مثلنا إن استطعتم، وقد أفلحتم إن فعلتم. تجربتنا ليست ديمقراطية، ولكننا ننشد الحكم الرشيد، وبلادنا عصفت بها محن كثيرة، وعبرت منعطفات خطيرة ولكنها لم تحن هامتها منذ توحيدها، وهي عازمة على انتزاع المنطقة العربية من براثن الإرهاب والفوضى.