سام الغُباري
العالم السري للانقلاب في اليمن دُبر ذات ليل في صنعاء، لم تكن صعدة سوى «معسكر احتياط»، أولئك الذين «سلّموا» مفاتيح سور باب اليمن العظيم كانوا يتنادمون في مقيل واحد بإحدى «طيرمانات العاصمة»، اقتنعوا أن «الحوثي» سيخلصهم من «تمدد» القوة الرئاسية للرئيس عبد ربه منصور هادي، واقتنع الطرف الآخر في «طيرمانة» مُقابِلة أن «الحوثي» سيكون صمام أمان لهم في مواجهة «أطماع» علي عبدالله صالح بـ»توريث» الحكم إلى نجله، واستعادة الرئاسة التي سلّمها باتفاق المبادرة الخليجية 2011م، فقالوا: والله لن يعود، وصاح متحمس في الطيرمانة الأخرى: والله لن يستمر هادي، وهتف الثالث: الموت لعلي محسن، وهتف الرابع: الانفصال أو الموت!
مُلاّك «الطيرمانات» هم المستفيدون من وضع مُخلٍ كذلك، باتت جلساتهم الخاصة محور التحالفات الصعبة، وغرف عمليات لاستنساخ «كيانات غير متجانسة» وكائنات مُختلقة بجسد خنزير ورأس ذئب وخوار ثور، مخلوقات دميمة أنتجت «الحوثي» كمخلوق شاذ عن الفطرة اليمانية، ومكّنت السُلالة العنصرية في اليمن - باعتبارها الأكثر دهاءً في إدارة الطيرمانات - من تحشيد فرقة «بدر الدين» الدموية إلى العاصمة، ومصافحتها وعناقها، وإعلان سلام هش على مسرح «موفنبيك»، لم يكد ينتهِي حتى كانت «صعدة» معسكرًا جاهزًا للغزو بعد التأكد من إتمام الصفقات الليلية، وتشكيل لجان مرجعية لحل ما تعسّر تنفيذه!
«الطيرمانة» كلمة فارسية تُدلل على عُش الطائر المرتفع، ويقال إن «الطير في أمان» أي أنه في عُشه بعيدًا عن العيون والخصوم، وقد تعارف اليمانيون في ماضيهم على تسمية الغرف الأخيرة في أعالي منازلهم باسم «الطيرمانة» تيمنًا لعبارة العُش، في تهامة الساحرة بُنيت «العِشاش» كأفضل تسمية جماعية للعش، لكنه عُشٌ من قصب وحبال، دلالته فقيرة كأصحابه السُمر.
في صنعاء التي اغتصبها الحكم الفارسي على الدوام عبر نظام «الإمامة» راجت عبارة «الطيرمانة» كبقعة ظليلة مُضِلة لمضغ القات والسكينة وراحة أهل الحُكم من ضجيج العامة ومطالبهم. في سنوات الغواية الفاترة عقب أحداث الربيع العربي، اشتعلت «الطيرمانات» بالغادين والعادين والأغبياء فشكّلت حزمة المفاوضات اللينة والتعهدات الخطيرة نهاية لأستار صنعاء، وتمكّن الغوغاء منها، وقد أظهر بيان 6 فبراير 2015م الانقلابي أولى بدايات إعلان «نتف الريش»، وأن الطائر المنتوف لم يعد قادرًا على العودة إلى عُشه، ذُبح النسر السبئي على حواف صنعاء، وأعلنت مارب في تلك اللحظة ولادة طير سبئي آخر من عاصمة مملكة سبأ التاريخية، فكرّر متحدث بيان الانقلاب من صنعاء اسم «مارب» غير مرة، كان يُحذر جموع المنقلبين من انهيار فكرتهم المسلحة إذا انتصرت مارب وخفق قلب طيرها العظيم بالحياة. وقد كان على حق!
انتصرت مارب، وحمت بتأثيرها المقدس بوابات اليمن الشرقية من دنس الفوضى، وجمعت أركان شِدّتها وبأسها، فالتحقت بها عدن، ثم نصف تعز، وتوالت عمليات التحرير الوطنية، ففاض كيل «برامكة صنعاء»، وأبرموا اتفاقًا باطنيًا داميًا في «طيرمانات» أخرى لخيانة الرئيس الراحل، وجُمع مشايخ طوق العاصمة لتلاوة بيان الذبح، وتقدّم الجزارون لنسف منزل «صالح» وقتل كل من معه بلا رحمة.
«الطيرمانات» مرادفة لقصور الأندلس، في بلاطها دارت مكائد إسقاط ملوك الطوائف من الداخل، استأثرت كل «طيرمانة» بملك، كان آخرهم «آل الأحمر» الذين حكم ذات لقبهم صنعاء إلى اليوم الذي أصبحوا فيه شيِعًا، فخرجوا كما خرج أسلافهم من قصر الحمراء، ولو كان ثمّة من يقرأ فقط.. لما حدث شيء، إنما هو غزلهم هُم، نكثوه فصاروا أوهن من بيت العنكبوت.
من كان في «الطيرمانة» الآن.. فليخرج.
وإلى لقاء يتجدد