د.سالم الكتبي
اعتادت دول المنطقة على أساليب نظام الملالي في إيران وتكتيكاته عند مواجهة ما يهدد بقاءه، فالنظام يلجأ عادة إلى التقية السياسية كلما لاحت في الأفق مؤشرات أزمة تهدد مستقبله، ولكنه سرعان ما يعود إلى إظهار وجهه الحقيقي بعد تلاشي الأزمة وتداعياتها.
كلنا يتذكر كيف أن رموز نظام الملالي قد رددوا تصريحات واحدة مفادها أن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، وهي تصريحات صدرت على المستويين السياسي والعسكري على حد سواء، وعكست نظرة الهيمنة والاستعلاء القومي التي ينظر بها هذا النظام إلى محيطه الإقليمي وجواره العربي، وبالتالي من السذاجة الثقة في نوايا هذا النظام حين يخفي هذه النظرة حين تلوح في الأفق أزمة خانقة ويحاول إظهار نظرة مغايرة لما يبطن، ويدعي حسن النوايا ويردد شعارات أثبتت التجارب أنها مدعاة للسخرية حين تصدر من أفواه اعتادت الكذب والمخاتلة.
في تصريحات له صدرت مؤخراً، يقول الرئيس الإيراني حسن روحاني إن «القوات المسلحة الإيرانية ليست ضد دول المنطقة ولا ضد مصالحها، وتدافع عن المنطقة بوجه المعتدين»، ويضيف أن «جذور مشكلات المنطقة تكمن في الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية»!
الكل يعرف أن ميلشيات الحرس الثوري الإيراني قد تدخلت، ولا تزال، في سوريا والعراق، وزرعت وكلاء طائفيين لها في هذين البلدين بالإضافة إلى وكلائها في اليمن (جماعة الحوثي الانقلابية) وفي لبنان (ميلشيا حزب الله الإرهابي) وبالتالي فالقول إن القوات الإيرانية ليست ضد دول المنطقة وأنها تدافع عنها في وجه المعتدين مسألة مثيرة للسخرية والاستغراب في آن واحد معاً، بل هي تصريحات تعبر عن نوع من الإفراط في احترام عقول الشعوب، التي ترى وتتابع التدخلات العسكرية الإيرانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في دول المنطقة!
يقول روحاني إن جذور مشكلات المنطقة تكمن فيما وصفه بالغطرسة الأمريكية والإسرائيلية، ولو افترضنا أن كلامه صحيح، وهو ليس كذلك، فإن هذه الفرضية تثير تساؤلاً بديهياً مفاده: ماذا فعلت إيران إذن في مواجهة هذه الغطرسة؟ وهل وجهت إيران ولو رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل رغم أن ميليشياتها تنتشر في دول ومناطق باتت مجاورة لإسرائيل؟
الصواب في كلام روحاني أن «أمم المنطقة عاشت جنبًا إلى جنب على مدى قرون بدون أي مشكلة أبدًا»، ولكنه لم يكمل الحقيقة بالقول، إنه منذ قيام ثورة الخميني عام 1979 والمنطقة تشهد توترات يعود السبب الأساسي فيها إلى فكرة تصدير الثورة وأيديولوجياتها، التي حرص الخميني على تثبيتها في الدستور الإيراني!
ويدرك أي متخصص في الشأن الإيراني أن هذه التصريحات المهادنة سببها الأساسي أن النظام الإيراني على وشك تحد رهيب قد يعصف بها نهائياً ويضعضع قبضته على البلاد، فالمرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية التي تبدأ مع شهر مايو المقبل، والتي تستهدف تصفير صادرات النفط الإيرانية، هي مرحلة خنق النظام وحرمانه من أبرز موارده الاقتصادية التي يعتمد عليها في تمويل مخططاته التوسعية الإقليمية، وبالتالي هي لحظة الانحناء للعاصفة بالنسبة لهذا النظام، الذي يلجأ في مثل هذه الظروف، كالعادة، إلى إعلاء مبدأ التقية السياسية وإظهار التملق لدول الجوار، ومحاولة امتصاص العاصفة وارتداداتها، وهو ما يبرز في هذه التصريحات الوردية التي تخالف كل ما صدر على لسان رموز النظام الإيراني خلال الأعوام الأخيرة، ولاسيما تلك الفترة التي أعقبت توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة «5+1»، في عام 2015 وحتى انسحاب الولايات المتحدة منه في يوليو الماضي.
يحيل روحاني في تصريحاته مجمل إشكاليات المنطقة إلى من يصفهم بـ «آخرون» ويقصد بهم الولايات المتحدة وإسرائيل، من دون الاعتراف بأن ممارسات إيران وتدخلاتها الطائفية هي أساس هذه المشكلات، أو في أسوأ التقديرات هي جزء أساسي منها، ثم يدعو من يسميهم بالفضلاء في المنطقة إلى التوحد والتشارك في استعادة الحقوق التاريخية للفلسطينيين، وهنا تبدو المزايدة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية التي يلجأ إليها كل المزايدين وتجار السياسة والدين في منطقتنا المنكوبة بأمثال هؤلاء.
الحقيقة أن ما يغيب عن الرئيس الإيراني حسن روحاني وبقية رموز نظام الملالي أن شعوب المنطقة باتت ترى بأعينها سلوك وممارسات النظام الإيراني، ولم يعد ينطلي على أحد ترديد الشعارات والاختباء وراء القضية الفلسطينية. فالواقع يكشف الأوهام، والحقائق باتت ساطعة مثل الشمس لا تحتاج إلى من يكشفها أو يسلط الضوء عليها.