د.عبد الرحمن الحبيب
التفجيرات الإرهابية المروِّعة التي حدثت في سريلانكا الأسبوع الماضي وأسفرت عن مئات الضحايا، أثارت العديد من الأسئلة القلقة بداية عن الجهات التي تقف وراءها. المسؤولون السريلانكيون حددوا مجموعة محلية غير معروفة، هي «التوحيد الوطنية» وجماعة أخرى، بينما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.. فيما قال رئيس الوزراء السريلانكي إن بعض الأشخاص المتورّطين في الهجوم قد سافروا إلى سوريا. وسبق في عام 2016، أن أعلنت الحكومة السريلانكية أن ثمة أفراداً من عائلات «متعلّمة ونخبة» قد ذهبوا إلى سوريا للانضمام إلى داعش.
إذن، هل هذه الأحداث الدامية مفاجئة؟ بالنسبة لي لم أتفاجأ على الإطلاق، تقول الخبيرة آن سبيكهارد (رئيس المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف)؛ التي اعتبرتها متوقّعة وسبق التحذير من وقوعها، وقالت إنها كانت بمؤتمر للأمم المتحدة في كولومبو، عاصمة سريلانكا، في فبراير الماضي عندما اتصل بها ضابط مخابرات سريلانكي معبراً عن قلقه إزاء تزايد التطرف الإسلامي (فورين بولسي).
لقد سبق مراراً إطلاق التحذيرات من مراكز دولية واستخبارات دول عديدة كان آخرها قبل الحادث بأيام ما أشارت له تقارير إخبارية من أن أجهزة الأمن المغربية قد حذَّرت نظيرتها الهندية وأوضحت لها أن سفارة الهند في سريلانكا قد تتعرَّض لهجوم من قبل متطرفين فقامت الأخيرة بإعلام الجانب السريلانكي لكن الأخير لم يتخذ أي إجراءات (بي بي سي). كما حذَّر قادة مسلمون بسيريلانكا السلطات من أنشطة إرهابية محتملة (فرانس برس).
وحسب مؤسسة غالوب فقد اعترف بعض المسؤولين بالفشل في منع هجمات عيد الفصح المميتة، وفي استطلاع غالوب نُشر بُعيد الأحداث كانت ثقة السريلانكيين بحكومتهم في العامين الماضيين أقل من أي وقت خلال العقد الماضي؛ فقد أعرب 58 % من السريلانكيين عن ثقتهم بحكومتهم الوطنية في عام 2018 مقارنة بـ92 % عام 2009.
لماذا لم تتخذ الجهات الرسمية في سريلانكا الإجراء المناسب؟ يبدو أن نسبة كبيرة من المسؤولين الأمنيين في كثير من الدول لم يأخذوا التحذيرات على محمل الجد معتبرين أن خطورة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى قد انحسر، فضلاً عن صعوبة توقع هذا العمل الضخم المعقد وارتباط الجماعات المحلية المتطرفة بشبكات دولية في بلد يفترض أنه بعيد عن أحداث التطرف. فلم يتوقّع أحد أن ينجح هؤلاء في تنفيذ هجوم بهذه الضخامة حسبما صرح نائب رئيس مجلس مسلمي سريلانكا حلمي أحمد لوكالة فرانس برس.
هذا درس مؤلم وقاس جداً يوضح مدى خطورة بقايا داعش وأنه لا بلد بمنأى عن الهجمات الإرهابية.. والسؤال الأساسي هنا، هو هل يمكن إيقاف مثل هذه الأعمال الإرهابية قبل وقوعها؟ الإجابة المبدئية تكمن بتوفير وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون بين الدول وتبليغ الدول المحتملة كأهداف للإرهاب.. فإذا كانت بعض الدول تمتلك قدراً هائلاً من المعلومات في مكافحة الإرهاب ولديها خبرة متطورة في اكتشافه قبل تنفيذ أعماله فإن بعضها، كسيرلانكا لا تبدو كذلك، ولهذا تمت إقالة أو استقالة العديد من المسؤولين الأمنيين فيها وعلى رأسهم وزير الدفاع السريلانكي.
وللمساهمة في الحيلولة دون وقوع مثل تلك الهجمات، يستخلص راند وولف من استعراض تجربة خمسة عشر عاماً، بأن الجهود تركز على استهداف الأفراد المحتمل تجنيدهم للإرهاب، ولكن يجب أيضاً التعامل على مستوى الجماعات الاجتماعية الأوسع المعرضة لخطر احتضان التنظيمات الإرهابية، فهي أكثر فاعلية. فمثلاً جماعة «التوحيد الوطنية» بسريلانكا يُعرف عنها أنها متشددة دينياً ولكن ليس في برامجها نشاطات إرهابية، فهل تمكن داعش من احتضانها وتجنيدها؟
من أهم تكتيكات داعش الحالية هي التحالف مع تنظيمات متطرفة أخرى، وتحفيز الهجمات الفردية المستقلة، وتهيئة بعض العائدين لتنفيذ هجمات إرهابية. المشكلة هنا أن عدة حكومات غربية تقول إن مواطنيها الهاربين بعد سقوط داعش غير مرحب بهم، مما يعني أن مصير المقاتلين الأجانب بداعش، والمنظمات الإرهابية الأخرى، يشكِّل خطرًا منتظرًا ويثير أكثر المخاوف جدية للمجتمع الدولي.
ينبغي عدم التهاون بخطورة الوضع، فإذا كان مقاتلو داعش هربوا متهالكين على شاحنات «نقل الماشية»، فقبلهم زعيم طالبان أفغانستان عام 2003 قد فرَّ هاربًا بدراجة نارية، لكن ما زالت طالبان التهديد الأكبر هناك.. وعندما تضعضع تنظيم القاعدة، أتى داعش أشد عنفًا لأن الأوضاع تفاقمت سوءًا. وإذا كان جليًا عجز داعش عن إعادة تموضعه كدولة، فإن الظروف البائسة والبيئة الحاضنة التي مكنته من الظهور سابقًا، لا يزال كثير منها قائمًا.. وإذا كانت الهزيمة العسكرية لداعش أخمدت خطره القتالي فإن استمرار الظروف السيئة قد تساعد على معاودة نشاطه أو يظهر تنظيم آخر أشد وطأة.
يقول هشام الهاشمي، المؤرّخ والباحث بشؤون الجماعات المسلحة: «العراق كان بمثابة فندق للإرهاب استطاع تطوير نفسه، فهذا الإرهاب دخل إلى العراق حال عودة ما يُعرف بالعرب الأفغان، وكذلك بعد الأخطاء الكبيرة الجسيمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في احتلالها العراق والقرارات التي اتخذتها بعد هذا الاحتلال، المتمثلة بحل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث بطريقة غير مدروسة، الأمر الذي جعل أصحاب السلوك العنيف ينتجون هذه المدرسة الإرهابية الأكثر عنفاً في التاريخ المعاصر.»