د. خيرية السقاف
قد لا أعرض للسلوك المشين الذي أجراه أحدهم وهو يلتقط صورًا لبنات الشهداء، فتجاوز اثنتين بريئتين منهن لغاية في نفسه، لكنني أتحدث هنا عن سلوك جمعي باذخ البهجة يعيد للأذهان مكارم الأخلاق التي بُعث محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ليتممها، التي هي من أهم مقومات التربية التي نشأ أفراد المجتمع في البيوت وكل كبير يتحرك فيها بلسانه، وعينيه، ويديه يشير إليها تنبيهًا إليها، ومنعًا من ضدها، وتحفيزًا حين اتخاذها، لسانهم يلهج بالدعاء حين يجدون أبناءهم يفعلون ما يسر، ووجوههم تكفهر حين يتجاوزونها في تصرف لا يمت إليها..
وهذا هو المجتمع برمته يعلنها «الأخلاق» شعارًا، ومبدأ، وقاعدة، ومدارًا، وأسَّا، ووتدًا، وخيمة، أرضًا، ومظلة، طريقًا، وممشى، ظاهرًا، وباطنًا..
لا غير الأخلاق بمزاياها التي تنبعث عن شعور بالمساواة، وحسٍّ بالكل، ودفاعٍ عن قيم، واعترافٍ بفضل، وتمثلٍ بموقف..
ابنتا الشهيدين الجميلتين المبتسمتين في صف الفاقدات آبائهم، ليستا يتيمتين بلا ريب، فقد هبَّ لمشاعرهما الوزير، والصغير، والكبير، الشاعر، والناثر، والناظم، وذو الحس والجميع لهما آباء، وأمهات..
ذلك لأن قيمة الشهادة لا تتسامى أمامها أية قيمة، ومبدأ المساواة بين البشر لا تضاهيه عنصرية، قكل الناس في عرفها سواء، وفي خلق الله عدل، وفي منظومة الأخلاق تكافؤ، ولا ينبذ منها إلا من فسدت عقيدته، وشق ثوب إيمانه، وثلمت قناة يقينه، وانشطر عن فطرته طاعة لربه..
فما خلق الله البشر مختلفين في الأطوال، والألوان، والأحجام، والملامح، ووحدهم في الأعضاء، والهيئة، والتركيب إلا امتحانًا لإيمانهم، ومحكا لتوحيدهم، الخالق الواحد الذي جمع البشرية في خلقه، والحيوان، والطير، والزاحف، والسابح على هيئة واحدة، فالكل بعينين، وأذنين، وأيد، وأجنحة، وأقدام، وشَعر، وجلد، وعظم، وعضلات، باختلاف التفاصيل، والتركيب ونصيب كل من ذلك،..
وإن الإيمان أخلاق، والعكس تمامًا، وإن مكارمها تمام يقين، واعتراف بحق التبادل السلمي في حياة لا تطيب بغيرها، وهي محور السلوك.. متى تمت عمَّت، ومتى عمَّت صلح المعاش بين الأفراد..
إن كل من تفاعل مع ابنتَيْ الشهيدين، مع ابتسامتيهما البهيجة، بكلمة طيبة، وحميَّة إنسانية، بدعوة لاستضافة، بهدية مفرحة، باستقبالهما، بالعناية بتصويرهما، بقصيدة عنهما، بسطور نثر فيهما في هذه التظاهرة الرسمية، والشعبية ليعبروا عن قوام الأخلاق الفاضلة التي يتمتع بها المجتمع، بما يسر الخاطر، ويطمئن كثيرًا على الأخلاق العامة لأفراد المجتمع، فقوام الأخلاق بقاء الأمم، «فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا»..
إن نفرًا قليلاً حين يفرط في شيء منها سينهض أمامه الجميع يتصدون له بكل فضيلة قائمة، راسخة، عن أخلاق باقية بكل منظومتها المباركة.
فلا ضيم لإنسان في محضن ذوي الأخلاق، فلتنعما صغيرتَاي هنا، في محضن الجميع.