د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
العنوان «تناص» من شطر بيت للشاعر اللبناني «جورج جرداق» من قصيدته المشتاقة للجمال (هذه ليلتي) التي صدحتْ بها كوكب الشرق أم كلثوم منذ عقود وما زالت جميلة!
«سَهرُ الشوقِ في العيون الجميلة
حُلُمٌ آثرَ الهوى أن يُطيلَه»
وهنا أيضًا على ثرى الرياض الجميلة مسارح الجلال والجمال، ومشاهد الحضارة ومجال الثقافة، ما انفكت تعقد أواصر الجمال في سياقات تترى، يجللّها الحراك الجميل في كل تفاصيل زمنها الجميل أيضًا، والرياض نحفظ أسرارها في تلافيف الذاكرة حينما طاف بخيالنا السور القديم ورائحة الطين التي تنبعثُ من داخله فتنعشُ فضاءاتنا؛ وتنزوي حياله كل مصانع العطور التي تحتل العالم اليوم، وتسرد الذاكرة تسميات يباهي بها تاريخنا الوطني والشعبي، ومهما اقتربتْ الرؤى من الرياض الحبيبة واستدارت الزوايا فما زلنا نحتاج للذائقة العالية التي تواكب عشقنا للرياض لالتقاط متغيرات الرياض وتجدّدها وكيف استطاعت الرياض واستطعنا صناعة الانتقال إلى الحداثة والمدنية، فها هي الرياض تصحو على جمال متنوع شامل في كل شؤونها يشد بعضه بعضًا، فالثقافة بتشكيلاتها وتفاصيلها جمال، وكل محضن لحيازة المنتج الثقافي والحوار مع مرتاديه جمال آخر، وكل نافذة ضوء تسعد بمرور العقول عليها جمال، وكل الأمكنة التي تؤصل لتاريخ مجيد وبطولات خالدة ترويها جدرانها وبواباتها جمال آخر، فهناك في الرياض اليوم مناطيد جمال تحلق بالفكر وبالثقافة وتحتفي بكل المعارف الشاملة في الفنون والآداب؛ وكان هنا مولد وزارة الثقافة وكانت البدايات مواعيد ووعود وعهود، ثم بعد لأي جاءت استراتيجية وزارة الثقافة الوليدة في عليائها لتكشف عن موارد بلادنا الثقافية؛ ومنها كنوز الرياض الملأى بالفرائد والمتفردين لتبني لهم متكآت تقيهم تصحر الفكر وضحالة الاستفادة من الإبداع وضمور الأوقات وعتمة الأماكن، فانبجست في الرياض الجميلة وفي منطقة قصر الحكم حيث البطولات وحيث الحكم السعودي الرشيد الذي شهد نسبج الأزمنة الفاخرة انبجستْ [قيصرية الكتاب] لتهدي بسمة ثقافية جديدة تليق بدهشة المكان حين تربعت في منطقة قصر الحكم وفي مشهد مطل على قصر المصمك التاريخي؛ وبالقرب من ساحة الصفاة وساحة العدل وجامع الإمام تركي بن عبدالله والأسواق القديمة، استوقفتني الفكرة المكتنزة لإهداء ذلك الفضاء الساكن حراكًا ثقافيًا مجزيًا يحتفي بالثقافة في شموليتها وبالكتاب كمنبر ثقافي في مكان ينبض بسكونه في وجدان ملكنا سلمان وولي عهده والسعودية بمسؤوليها وشعبها؛ ولقد أشرقتْ في وجدان الحضور آمال عريضة لحيازة وجود ثقافي مختلف؛
ففي قيصرية الكتاب مجيء مدهش في مكان مدهش في عهد سعودي مدهش أيضًا، «وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا».