تعدُّ الثقة بالنفس من أهم السمات الشخصية التي تحدد حياة الفرد وتوافقه مع ذاته ومع مجتمعه، إضافة إلى أنها تعني تقبُّل القدرات التي منحها الله للفرد، والرضا بها، والتكيُّف معها، والقدرة على مواجهة الظروف اليومية بأنواعها كافة بفاعليه أكثر؛ فالثقة بالنفس تضيف للفرد إحساسًا بالاعتزاز والافتخار بمهاراته وكفاءاته؛ فهي شعور الإنسان بعلو قيمته بين الآخرين؛ فيتصرف بثقة دون خوف من أفعال الآخرين وردودهم. وتظهر هذه الثقة في كل تحركاته وكلماته وتصرفاته التي لا تكترث بمن حوله؛ فهو فقط سيد نفسه بدون منازع.
أما الشخص عديم الثقة فهو يشعر بأنه مراقَب دائمًا؛ وهو ما يدخله في حالة من الخوف والقلق الدائمَيْن؛ فنجد عديم الثقة يتصرف تبعًا لما يريده الآخرون حتى لا يتعرض للانتقاد حتى لو كان هذا التصرف مخالفًا لطبيعته.. فالثقة بالنفس هي الطريق التي تمهد لنا تحقيق الأهداف، وهي التي تساعدنا على تحقيق النجاح في حياتنا الاجتماعية والمهنية.
وتؤكد العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يتحلون بثقة كبيرة بالنفس هم الأكثر سعادة في العالم، على عكس الأشخاص الذين ثقتهم بأنفسهم ضعيفة؛ إذ يواجهون صعوبة في التأقلم مع الآخرين، وفي تحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
في منصات التواصل الاجتماعي قرأتُ قصة لمانديلا مع أحد أساتذته. فحين كان نيلسون مانديلا يدرس الحقوق في الجامعة كان أحد أساتذته - واسمه بيتر - أبيض البشرة، يكرهه بشدة!
وفي أحد الأيام كان الأستاذ بيتر يتناول طعام الغداء في مقصف الجامعة، فاقترب منه نيلسون مانديلا حاملاً طعامه، وجلس قربه.
- قال له الأستاذ بيتر: «يبدو أنك لا تفهم يا سيد مانديلا أن الخنزير والطير لا يجلسان معًا ليأكلا الطعام»!
نظر إليه مانديلا وأجابه بكل هدوء: «لا تقلق أيها الأستاذ فسأطير بعيدًا عنك»!
ثم ذهب وجلس إلى طاولة أخرى.
- لم يتحمل الأستاذ جواب مانديلا؛ فقرر الانتقام منه. وفي اليوم التالي طرح الأستاذ بيتر في الصف سؤالا على مانديلا: سيد مانديلا، إذا كنت تمشي في الطريق، ووجدت صندوقًا، وبداخل هذا الصندوق كيسان، الأول فيه المال، والثاني فيه الحكمة.. فأي الكيسين تختار؟
- من دون تردُّد أجابه مانديلا: «طبعًا سآخذ كيس المال».
- ابتسم الأستاذ، وقال ساخرًا منه: «لو كنت مكانك لأخذت كيس الحكمة».
بكل برود أجابه مانديلا: «كل إنسان يأخذ ما ينقصه»!
في هذه الأثناء استشاط الأستاذ بيتر غضبًا وحقدًا لدرجة أنه كتب على ورقة الامتحان الخاصة بمانديلا «غبي»، وأعطاها له!
أخذ مانديلا ورقة الامتحان، وحاول أن يبقى هادئًا جالسًا إلى طاولته، وبعد بضع دقائق وقف مانديلا، واتجه نحو الأستاذ، وقال له بنبرة مهذبة: «أستاذ بيتر، لقد أمضيت على الورقة باسمك، لكنك لم تضع لي علامة»!
فهناك الكثير الذين يتفننون في توجيه سهام النقد إليك؛ لتهتز ثقتك بنفسك؛ فهمُّهم النقد الآثم المر، والتحطيم الممنهج المدروس، والإهانة المتعمدة ما دمت تبني وتُعلي، وتسطع، وتؤثر.. فإن رأوا منك هفوة ضخموها، وجعلوا من البذرة شجرة. هؤلاء لا يرون في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه سهوًا، ولا يبصرون في الثوب النظيف إلا قطرة الحبر التي أصابته خطأ، ولا في الكتاب المفيد إلا خطأ مطبعيًّا تسرب إليه.
درِّب نفسك دائمًا، وتذكر مهما كانت الظروف، لا تتعامل مع النقد الموجَّه بالغضب؛ لأن ذلك سيؤدي إلى خلق مشاعر سيئة، ويعطي صورة وانطباعًا ليسا جيدَيْن عنك. حاول أن تكون هادئًا، وتعامل مع ذلك الشخص باحترام وتفهُّم، وسوف يساعد التعامل بهذه الطريقة على عدم احتداد الوضع وخروجه عن السيطرة. أظهر أنك شخص قوي، ولا تتقبل النقد كطُعم سيؤدي بك إلى الانهيار، واهتزاز ثقتك في نفسك.