د. يوسف بن طراد السعدون
كرّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه لله-، يوم الأربعاء 19 شعبان 1440هـ الموافق 24 أبريل 2019، معالي وزير الدولة للشئون الخارجية السابق الدكتور نزار بن عبيد مدني بمنحه وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الثانية تقديراً لجهوده وإسهاماته لما قدمه في خدمة وطنه.. ومنوهاً بالجهود التي بذلها خلال خدمته بوزارة الخارجية التي امتدت لأكثر من نصف قرن.
وهذا التكريم لرجال الدولة المخلصين أمرٌ ليس بالمستغرب في سياسة القيادة الرشيدة للمملكة العربية السعودية، الممثلة في ملك العطاء والوفاء خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.. وهو في الحقيقة يمثل تقديراً سامياً لجيل، بل أجيال من الكوادر الذين عملوا في السلك الدبلوماسي السعودي بتفانٍ وحرص على خدمة الوطن والمواطنين وإعلاء راية التوحيد خفاقة في كافة المحافل الثنائية والإقليمية والدولية.
ومعالي د. نزار مدني، بدون أدنى شك، خير مثال للدبلوماسي السعودي المهني المتميز في وزارة الخارجية.. حيث تدرج بعصامية وطموح وجهد ومثابرة في سلم وظائف السلك الدبلوماسي، مبتدئاً كملحق دبلوماسي عاملاً بأرشيف الوزارة عام 1965، حتى أصبح مساعداً لوزير الخارجية 1997 ثم وزيراً للدولة للشئون الخارجية عام 2005.
وقد سعدت في العمل عن قرب مع معاليه لأكثر من 20 سنة، منذ نقل خدماتي إلى وزارة الخارجية عام 1997 وحتى تقاعدي عام 2018.. حظيت خلالها بفرصة التعرف عن كثب على شخصية وأسلوب عمله والتتلمذ على يديه، خلال فترة عملي بوكالة وزارة الخارجية للشئون الاقتصادية والثقافية التي كنت مكلفاً بها ووكالة الوزارة للشئون الدولية المتعددة فيما بعد. وتشرفت بمشاركة معاليه في العديد من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات بالمحافل الثنائية والإقليمية والدولية.
ولست هنا للإشادة والثناء على شخص د. نزار مدني فهو في غنى عن ذلك تماماً.. ولكن مسيرة عمل هذا الدبلوماسي السعودي المتميز التي كرمت، يجب التوقف عندها وإلقاء الضوء على الجوانب المشرقة في سلوكها وأدائها لاستنباط بعض المقومات والعبر التي ساهمت بنجاحها، ليسترشد بها الجيل الحالي والقادم من الدبلوماسيين السعوديين.
فشخصية وأداء د. نزار مدني الدبلوماسية استطاعت، في نظري، أن ترسم بوضوح صورة زاهية لمنهاج السياسة والدبلوماسية للمملكة العربية السعودية، التي أرساها واختطها الهمام المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، -رحمه لله-، وسار على دربها من بعده أبناؤه الملوك، -رحمهم لله-، ويرسخها حالياً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه لله-. وأبرز جوانب تلك الشخصية كما لمستها، تتمثل في التالي:
1- الإدراك والتقدير والاحترام التام والدائم لمكانة وقيمة المملكة العربية السعودية كقيادة ومحور أساسي في إقليمها الخليجي والعربي والإسلامي، وثقلها المتميز في ميزان العلاقات الدولية، والذي ينأى بها عن الانخراط في سياسات المحاور والدسائس الخبيثة ويدفعها إلى تبني سياسات بناءة تجاه الآخرين لا مكان فيها للحقد والكراهية.. وتثمين ذلك الأمر كنبراس في قيادة كافة الأقوال والتصرفات والأعمال.
2- احترام الآخرين والمصداقية وعدم الكذب والخداع، اللذين يعدان من المحرمات في قاموس السياسة السعودية.. إلى جانب الجدية بالعمل وعدم الاندفاع في إطلاق الوعود والالتزامات بدون تنفيذ.
3- الاتزان وتقييم المواقف بحكمة وتأني بدون استعجال أو تهور في اتخاذ القرار، والمراجعة الدقيقة المتعمقة لكافة الخطابات والكلمات التي تقال أو تكتب.
4- عدم السعي نحو الوهج الاجتماعي والإعلامي بالحديث عن القضايا والمواقف وأسرار العمل والإسهاب بعرض المقترحات والمرئيات والمواقف على الأحداث الجارية.
5- الأدب والتواضع ودماثة الخلق والترفع عن الرد بابتذال وسباب. وهذا الأمر جبل عليه د. نزار وترسخ في أدائه حيث كان هو أسلوب العمل لدى سمو وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل، الذي كان د. نزار ساعده الأيمن في الوزارة. وفي هذا الشأن، لن أنسى موقف شهدته بإحدى القمم العربية التي ترأس وفد المملكة فيها الأمير الراحل سعود الفيصل.. حيث تهجم أحد القادة في كلمته بالسباب على الدول الخليجية والمملكة العربية السعودية ولم يلق الأمير سعود أيّ قيمة لحديثه ولم يرد عليه بإسفاف كما كان يأمل ذلك القائد. وبعد الاجتماع وأمام استغراب أحد أعضاء الوفد لعدم الرد، نوّه الأمير سعود -رحمه لله- فقط بقول الشاعر إبراهيم طوقان:
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته
خلق الحزم أبكما
ختامًا: هذا غيض من فيض ما تكتنزه شخصية ومسيرة معالي د. نزار بن عبيد مدني بالعمل الدبلوماسي، والتي تعد خير مثال لمنهاج الدبلوماسية السعودية، وقدوة ومرجعاً يجب ان يستنير بها الدبلوماسيين السعوديين. وهو يعد ثروة وطنية في هذا المجال أدعو المولى -عزّ وجلّ- أن يمده بالصحة ويستمر بالعطاء في العمل الاستشاري والبحثي لخدمة هذا الوطن.وأتمنى لو تم السعي للاستفادة من خبراته وتجاربه في بلورة الإستراتيجية المستقبلية لكيان وزارة الخارجية بشكل عام، ولمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بشكل خاص لإعادة بناء هذا المعهد بالشكل المتميز الذي يمكنه من صقل مهارات الدبلوماسيين السعوديين بالدرجة التي تليق بمكانة المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية.