د.عبد العزيز الصقعبي
تحدثت الأسبوع الماضي عن أرشيف التلفزيون، وبعد أن انتهيت من كتابة المقال تذكرت إحدى المبادرات التي أُعلنت في حفل إطلاق رؤية وتوجهات وزارة الثقافة، حيث تم الإعلان عن سبعة وعشرين مبادرة ثقافية، من ضمنها، وهي المبادرة التي تحمل رقم «15» الأرشيف الوطني للأفلام.
وقتها كان معي أحد الأصدقاء المسرحيين.. سألني مباشرة.. وماذا عن المسرح.. قلت الصديق علي السعيد لم يقصر.. اهتم بذلك..
أنا هنا لن أعترض على هذه المبادرة، ولكن لأنطلق منها إلى ما هو أشمل من الأفلام والمسرحيات.. ألا وهو الفنون بصورة عامة.. هل هنالك رصد وأرشفة للفن الغنائي، هل حفظ كل التراث الغنائي، بأوعيته المختلفة من أسطوانات وأشرطة كاسيت وسي دي وصولا إلى الزمن الحاضر الذي أصبح الحفظ والأرشفة رقمياً متاح، وهل يستطيع أي باحث عن فوزي محسون (كمثال) أن يصل لجميع أغانيه وألحانه إضافة إلى سيرته؟.
كنت أتمنى أن يكون هنالك أرشيف وطني للفنون.
نعرف أن مكتبة الملك فهد الوطنية معنية باقتناء وحفظ الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه، وقد حولت المصنفات الفنية حين صدور نظام المكتبة لجمعية الثقافة والفنون، لكنه لم ينفذ، بالطبع الأمر يحتاج لجهاز حكومي كبير لحفظ النتاج الفني وتنظيمه وتوثيقه، وأعتقد حتى الآن لم يعتمد ذلك، والدكتور سعد البازعي سبق أن تساءل في تويتر عن غياب أو ضعف المؤسسات المعنية بالتاريخ الفني، الذي اعتمد على جهود فردية في حفظه ودراسته.
لنعد إلى المبادرة، أعتقد أن الأفلام وحسب فهمي المقصود به الأفلام السينمائية، وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفته وحفظه، وليس لدينا التراث الفني في السينما إذا استثنينا ما قدمه عبد الله المحيسن، وهي تجربة مهمة، أما البقية حتى وقتنا الحاضر فهي تجارب ومحاولات هواة يحتاجون إلى زمن ليس بالقصير ليصلوا إلى نتاج سينمائي يستحق أن يكون ضمن التراث السينمائي العربي وليس العالمي.
إذاً أتمنى من وزارة الثقافة أن يمضوا بالاهتمام بالأرشيف الفني الشامل، وليس الأفلام فقط، وكما أسلفت الفن الغنائي وأيضاً الفلكلور يحتاج إلى رصد وحفظ، لأنه سيضيع ويسقط من الذاكرة عدد كبير من المطربين الشعبيين (كمثال) الذين كان لهم نتاج فني استمتعت فيه الأجيال السابقة، وتلك الإبداعات بكلماتها ولحنها وغنائها تمثل بكل تأكيد الذاكرة والذائقة الشعبية البسيطة، والآن ومع تقنية الحاسب بالإمكان حفظ ذلك التراث صوتاً وصورة، مع ذكر بيانات شاملة عنها، وتكليف من يقوم بالتعريف بالفنانين وتاريخهم وتاريخ كل أغنية أو فلكلور، والمملكة تزخر بعدد جيد من الباحثين المهتمين بالأغنية والفلكلور الشعبي.
وإذا قارنا المسرح بالسينما في المملكة، فحتماً ستكون كفة المسرح هي الراجحة، لكون هنالك تراثاً مسرحياً كبيراً منذ عهد الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه- ، وهنالك نتاج في أغلب مناطق المملكة، تم توثيق بعضها، ولكن أيضاً تحتاج إلى مؤسسة تقوم بذلك مع دعم جهد الأفراد والتي أشار إليهم الدكتور سعد البازعي.
هنالك كتب تحدثت عن بعض الفنون ورصدتها وبالذات المسرح والفن التشكيلي، بعض تلك الكتب بالذات التي تحدثت عن تاريخ المسرح في المملكة العربية السعودية، اعتمدت على معلومات محدودة وليست شاملة لجميع مناطق المملكة، ورصدت أعمالا مسرحية تمت متابعتها إعلامياً، بينما تم إغفال كثير من الأعمال الجيدة التي لم يكن لها نصيب من المتابعة الإعلامية، عموماً الحديث طويل حول ذلك، إذاً فمن المهم وجود مركز يعني بالأرشيف الفني يرصده ويوثقه، يسهل الوصول للمعلومة، ويجعل كل معلومة عن أي فن، دقيقة ولا مجال للجدال حولها.