الثقافية - محمد هليل الرويلي:
وجاءت بك الأيام يا أعرابي بعد أن هبّت الرياح، وطيرتك إلى الشرق لهذه الطّحا صوب أرخبيلات (ممكلة دلمون), أعرق الحضارات في الحِقب القديمة على سواحل شرق الجزيرة العربية حاليًا. هذه الحقبة العريقة تعود يا أعرابينا الصحافي للألفية الثالثة قبل الميلاد؛ إذ تشير مصادرنا إلى أن اسم (دلمون) ورد في الكتابات المسمارية، كما أثبتت التنقيبات الحديثة أن البحرين هي دلمون, وهي ذاتها المشار إليها في النصوص, ويتبع لها كبرى المدن والقرى العاجة بالحياة حينها. ودوِّن أن تايلوس وأرادوس هما اسمان جزيرتَي «المنامة والمحرق»، أطلقهما عليهما اليونانيون في القرن الثالث قبل الميلاد حين أرسل الإسكندر الأكبر حملة بقيادة القائد اليوناني نياخوس لاستكشاف هذه المنطقة. وسميت كذلك البحرين «بأوال» قبل العصر الإسلامي. ويرتبط الاسم بإله لقبيلة وائل التي سكنت البحرين سابقًا قبل الإسلام.
تعال يا مشبوب الفؤاد نسمعك ما شبب ذاك الشاعر أيام اللهو والشباب. سنختار لنسمعك أولًا من قول كريم رضي؛ فهذا الشاعر مدّت تجربته صوتها عاليًا في فضاءات الشّعر المعاصر، وهو يكتب تفعيليًّا ونثريًّا، ويحاول أن يُنتج له خطًّا شعريًّا مغايرًا، وهو أيضًا ينفذ بعمق إلى تفاصيل واقعيّة، يجترحها بلغة يداري بكنائيّاتها واستعاراتها أبعادًا واسعة، يقول في بعض شعره:
أنا يا صفيّة هذا الكلامْ
رماني على حجر طيّب
فركته العصور الحزينة بالزّنجبيل وبالشّهوات
ليشرق في ظلمة الخلوات بسرّ حرامْ
حجر بان في لحمه أثر
من خطى الأنبياء الوحيدين
لاذ به العاشقون الكسالى
مع الأمّهات الصّغيرات
قبل اكتناز اليمامْ
أنا يا صفيّة شمس المنامْ
ثم نثني السمع عليك من تجربة نادية الملّاح؛ فتلاوين نادية تجعلك تتسلّق تفاصيل إيقاعيّة حالمة، ممتزجة بدفقات شعوريّة مرصوصة بلغة رقيقة، تحاول في تجربتها وهي تعبّر عن أفكارها أن تستغرق نواحي التّصاوير لتُنفذ مراميها إلى عقل المتلقّي بشكل مباشر، تقول:
إذا غبتَ عنّي،
تصيرُ الجهاتُ غروبًا،
وينتاب نبضيَ بؤسُ الغريب...
وحين تغيبْ،
تصيرُ الحواسُ يتامى،
ويُسبى حزينًا شعوري،
إلى وجهةٍ ليس فيها وجوه،
أفكُّ وثاق مرايا عيوني
وأغمض حتّى يدكُّ الظلام بصدري الحصونْ،
فأرفعُ كفّي لقلبِ الهواء
وأرسمُ وجهكَ،
ظلّكَ،
صوتَكَ،
طعم ارتعادي بين يديكْ،
وأغمضُ جدًّا،
أشدُّ وثاقي في خافقيكْ
ارتجفت شفتا الأعرابي حين سمع التساؤل المطروح (وهل توجد رواية بحرينية)؟ فأردف الباحث قائلاً: لم تعد الرواية محصورة في مكوناتها السردية من شخصية ومكان وزمان وأحداث، بل خرجت من هذا الإطار إلى الاهتمام بجمالية هذه المكونات؛ لتكون تقنيات كتابة روائية.. كل ذلك وأكثر قراء «الثقافية» تقرؤونه في هذا العدد من رقيم ودهاق البحرين.
ظهور الوعي الثقافي.. المؤسِّس البحريني
كشفت أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي أنَّ عصر الشيخ عيسى بن علي كان بداية عصر التنوير للبحرين الحديثة، وهو تنوير كان منبثقًا بالأساس من حركة النهضة العربية الحديثة وتجلياتها المعرفية الكبرى منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي. هذه الحقبة التنويرية تمتاز بأنها حقبة انتقالية من دولة القبيلة إلى دولة المؤسسات المدنية الحديثة؛ إذ ازدهرت مدارس التعليم الأهليّ في البحرين، وهي المدارس التي ظهرت بواكيرها منذ عشرينيات القرن التاسع عشر، ولا تزال بعض أبنيتها قائمةً. وقالت: كما شَهِدَتْ هذه الحقبة التاريخية «قيام المؤسسات الثقافية الوطنية الحديثة في البلاد، مثل المدارس النظامية والأندية والمكتبات الأهلية. كما دُشنت المدارس النظامية من خلال جهود عدد من المثقفين الإصلاحيين البحرينيين, أمثال الشيخ الشاعر إبراهيم بن محمد الخليفة، والشاعر محمد بن عيسى الخليفة، والشيخ عبدالوهاب بن حجي الزياني؛ فقد تنادوا هم وزملاؤهم بالمضبطة الأساسية للتعليم الحديث في البحرين إلى الاجتماع الأول في جو عاصف من معارضة بعض العلماء والمشايخ الذين لهم وزن في البلاد، وكانت نتيجة ذلك السجال انتصار النخبة البحرينية المثقفة، وتأسيس مدرسة الهداية الخليفية سنة 1919م.
وأضافت: كما تم تأسيس مجموعة من النوادي الأدبية التي هي الحاضن الأول للنشاط الأدبي والثقافي في البحرين، وعلى رأسها يعد نادي إقبال أوال بالمنامة عام 1913، ونادي المحرق الأدبي عام 1921, ثم تنادى نفر كريم من الأدباء والشعراء والمثقفين والمشايخ القاطنين بالمنامة إلى تأسيس المنتدى الإسلامي في عام 1928 الذي يعد الصرح الأدبي الثالث.
o دور العائلات السعودية: القصيبي والبسام والعجاجي والمشاري
وتتابع: كما كان للأشقاء السعوديين دورهم البارز في التأسيس الأول لبعض المؤسسات الثقافية الكبرى في البحرين. إن أسماء مثل الشيخ مقبل الذكير وعائلات القصيبي والبسّام والعجاجي والمشاري وغيرهم كانوا من النخب التجارية المشكّلة ثقافيَّا في البحرين الحديثة. وهذا يدل على عمق الروابط الثقافية بين البلدين باتفاقية ثقافية بين المملكة العربية السعودية والبحرين عام 1974.
ظهور المؤسسات الثقافية الكبرى
وقالت الدكتورة ضياء الكعبي: كذلك لعبت أسرة الأدباء والكتاب التي تأسست عام 1969 دورًا في رعاية الحركة الفكرية والنهضة الأدبية في الحث على الإنتاج الجيد في مجال الأدب والثقافة والفكر، وإقامة المواسم الثقافية والأدبية، وتوطيد العلاقات الأدبية والثقافية مع الاتحادات والروابط والمؤسسات الأدبية. أيضًا إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 1986 الذي يهدف لمسح الواقع الثقافي والفني والأدبي، وجمع البيانات عن مجهودات الهيئات المختلفة، وإجراء دراسات دورية، وإصدار المؤلفات والمعاجم والفهارس، والإسهام في نشر الإنتاج الفكري الجيد المبتكر والمترجم، والاهتمام بالتبادل الثقافي، والمشاركة في المعارض والمؤتمرات والمهرجانات الثقافية والفنية والمحلية. كما أسهمت المسارح، مثل مسرح أوال والصواري والجزيرة وغيرها، في الحركة الثقافية. إضافة إلى دور الجمعيات، ومنها: جمعية تاريخ وآثار البحرين, جمعية البحرين للفنون التشكيلية, جمعية البحرين للفن المعاصر وجمعية البحرين للموسيقى والفنون الشعبية, إضافة إلى دور نادي البحرين للسينما.
ثُنائيّةُ الشِّعر والبَحريْنِ.. سِمْطَا لؤلؤٍ وزبَرجَدِ
وأوضح رئيس قسم اللّغة العربيّة والدّراسات الإسلاميّة - كليّة الآداب - جامعة البحرين، الناقد الدكتور خليفة ياسين بن عربيّ، أنه يمكننا أن نعدّ عصر الشّيخ عيسى بن عليّ [1869 - 1932م]، الذي يعدّ مؤسّس الدّولة المدنيّة الحديثة للبحرين، وحكم أكثر من نصف قرن، من أخصب فترات التّطوُّر والانفتاح الثّقافيّ والأدبيّ، وأنّه المفجّر الأوّل للنّهضة الثّقافيّة والأدبيّة في البحرين، والنّواة التي أينعت بعد ذلك في العصور الآتية من بعده؛ ففي عصر الشّيخ تمّ تأسيس مجموعة من النّوادي الأدبيّة التي تعدّ المحاضن الأولى للعمل الشّعريّ الأدبيّ والثّقافيّ في البحرين، وعلى رأسها نادي إقبال أوال في مدينة المنامة، ثمّ الدّور المهمّ الّذي اضطلع به نادي المحرّق الثّقافيّ في جزيرة المحرّق، الّذي كان شعلةً، أثرت الحراك الثّقافيّ في البلد، بل على مستوى الخليج العربيّ، وقد كان للشّيخ محمّد بن عيسى آل خليفة ابنِ الحاكم دورٌ متميّزٌ في تأسيسه، وقد كان منارة الثّقافة في المنطقة، وبرز من خلاله العديد من كبار الأدباء والشّعراء في تلك الحقبة كعبدالله الزّائد، وخالد الفرج شاعر الكويت، وعبدالرحمن المعاودة، وشيخ الأدباء الشّيخ إبراهيم بن محمّد آل خليفة، وغيرهم.
وبيّن «ابن عربيّ» أنه حل بعد جيل الشعراء الرواد «عبدالمحسن الصّحّاف, الشّيخ إبراهيم بن محمّد آل خليفة, محمّد صالح الخنجيّ, عبدالله الزّائد, قاسم محمّد الشّيراويّ, راشد البنعليّ.. وغيرهم», وهم شعراءُ قد أفادوا من تجربتهم، ولكنهم فد انفتحوا على التّجربة الحديثة، وتوثّقت علائقهم بالعديد من شعراء الوطن العربيّ، بل استطاعوا أن يؤسّسوا لهم مكانًا مرموقًا في خريطة الشّعر العربيّ، وأصبح أكثرهم روّادًا لحركة الشّعر الحديث، بل تجاوز بعضهم التّجربة؛ ليتعاطى مع ما يسمّى بقصيدة النّثر، وقد تقاطعت كثير من نصوص أولئك الرّواد مع نصوص روّاد الشّعر الحديث في الوطن العربيّ، كالسّيّاب ونازك وصلاح عبدالصّبور وأمل دنقل وغيرهم، وأنتجوا نصوصًا لا تقلّ في مستواها وأهمّيتها عن نصوص أولئك. ومن أهمّ هؤلاء الشّعراء: أحمد محمد الخليفة [تــ 2004م] المعروف بشاعر الحبّ والجمال، الذي نشر بواكير أعماله عام 1951م، وكان يكتب الشّعر بلونيه الفصيح والنّبطيّ، ومثّلت مظاهر البيئة وجودًا فعليًّا في نصوصه، وقد تأثّر في بداياته بالشّعر الوجدانيّ والقوميّ والوصفيّ، كما كان ملتزمًا بالقصيدة العمودية، ومن شعره:
أنتِ السّحر أم أنت الجمالُ
لقد تهنا بحسنك يا أوالُ
صفاءٌ قد صفتْ منه الليالي
وسحرٌ لم يصوره الخيالُ
وعبدالرّحمن محمّد رفيع [تــ 2015م] الذي يعدّ من أشهر شعراء العامّيّة البحرينيّة، لكنّه كتب الفصيح ابتداءً، وقد اهتمّ في شعره بتصوير الواقع ضمن أدقّ تفاصيله وأحداثه ومناسباته؛ فجاء شعره غاية في الموضوعيّة، ومن شعره:
رَبَّة الشِّعرِ حلِّقِي ثم عُودي
ألْهميني النّشيدَ تِلْوَ النّشيدِ
وأطلّي على سمائيَ شمسًا
أرْتوي من جلالها المعهودِ
والشاعر علي عبدالله خليفة من أشهر شعراء البحرين المحدثين، كتب الشّعر العموديّ والحرّ، والعامّيّ والفصيح، ونشر أوّل دواوينه عام 1969م، وتعدّ تجربته مؤشّر الدّخول الفعليّ في الحداثة من حيث الشّكل والمضمون بعد تجاوزه مراحل الشّعر التّقليديّ والرّومانسيّ، ومن شعره:
ويحهم قد أبحروا، ويح الشّجونْ
ويح ما يجتاح أعماقي
ويطغَى في جنونْ
كذلك الشاعر قاسم حدّاد الذي تعدّ تجربته من أغنى التّجارب الحديثة، وأكثرها نضجًا وتطوّرًا، على مستوى الشّكل والمضمون، وقد ارتبط بالحداثة منذ باكورة أعماله عام 1970م؛ إذ لم يكتب القصيدة العموديّة قطّ، وانطلق في نصوصه من تخوم التّفكير الرّمزيّ بشكل مباشر، ومن شعره:
يا ثوب والدتي المرفرف فوق هامة بيتنا
البشارة يعطي
الّذي قد غاب عاد (سيزيف) إن
عاد يحمل صخرة الإنسان يا بحر الرّماد
سيزيف عاد
والحرّ تكفيه الإشارة
في وجنتيه علامة الشّوق الجريح
وفي يديه
تبكي شرايين على ماض كسيح..
أيضًا علويّ الهاشميّ المولود في المنامة، وهو شاعر وناقد، أسهم في تطوير الحركة الأدبيّة والنّقديّة في البحرين، وله العديد من الدّراسات النّقديّة المطبوعة، واتّسمت نصوصه بمحاولة اجتراح الابتكار الصّوريّ، مع المحافظة على اللّغة الثّرّة، ومن شعره:
من أين يجيء الحزن إليَّ وأنتِ معي
من أين يجيءْ؟
قنديل مختنق الأنفاس يضيءْ
يبكي وسْط متاهات الليل..
ونشير إلى تجربة الشاعر يوسف حسن الذي اشتُهرت نصوصه بأنّها تناولت في كثير منها معاناة الرّيف وإنسان القرية وهموم البسطاء الكادحين؛ وهو ما جعل مفردات البيئة تطفر من ثنايا نصوصه، ومن شعره:
إيه يا قريةَ أحلامي ودنياي الصّغيرهْ
إيه يا أغنية يلغو بها الأطفال
أوقات الظّهيرهْ ..
وكذلك تجربة إبراهيم بوهندي الشاعر الذي كتب بالعامية والفصحى، امتاز شعره بسلاسة الأسلوب معتمدًا على العفوية النابعة من تجاربه الصّادقة، متشحة بالوجدانيّة الواضحة، ومن شعره:
لأني أقبّل كلّ صباحٍ.. عيون بلادي
لأرحل فيها لها في السماءْ
لنجم تلألأ فيه غرام المساءْ
ما بعد البَعد.. جيل الشّباب
وتطرق الناقد الدكتور خليفة ياسين بن عربيّ لتجارب شعراء البحرين الشباب، وقال: القصيدة الشّبابيّة المعاصرة في البحرين هي نتاج طبيعيّ لرؤى ممتدّة، تبدأ من القصيدة التّراثيّة، فجيل الرّوّاد، بيد أنّ الاكتظاظ الكونيّ الّذي يعايشه الشّاعر المعاصر، والإيغال في الإخفاقات الزّمنيّة اللّامتوقّفة، جعلا من القصيدة المعاصرة إمّا أن تظلّ مستدفئة بالتّقليد، ولو على مستوى المضمون، أو أنّها تجنح نحو الغنائيّة الذّاتيّة المغرقة، الّتي تحتفي بالمجازات والمراوغات اللّغويّة والصّوريّة، الّتي تستدرّ تأمّل المتلقّي. وهذه نتيجة قد تكون حتميّة لحالة الرّهبة الدّاخليّة الّتي يعانيها الشّاعر بَلْهَ المثقّف. كلّ ذلك جعل الشّاعر ينكفئ خلف تلكم المجازات الّتي يبثّ من خلالها ما تعجزُ مباشرتُهُ عن أن تقوله، بيد أنّ هناك العديد من الشّعراء الشّباب استطاعوا أن يضعوا أنفسهم في سياقات شعريّة راقية، تستحقّ الإشادة بها، والوقوف على تجاربهم.. والشّعراء الشّباب في البحرين استطاعوا اجتراح اللّامألوف؛ فتجاربهم غنيّة الإضاءات المهمّة، على الرّغم من أنّها قد تفتقر نسبيًّا إلى وعي وإيمان عميقَين بأهمّيّة التّجديد، والانعتاق في فضاء الابتكار والتّفرّد بعيدًا عن الدّوران في محيط الآخرين، ومشاكلة أساليبهم. وممّا ميّز التّجربة الشّعريّة لديهم أنّهم قد تملّكوا سياقات المغامرة؛ إذ تقحّموا بكلّ جرأة جميع الأنواع الشّعريّة الحاضرة، وأنتجوا منها نماذج بارعة.
ومن غير اليسير انتقاء بعض التّجارب؛ فالشّعراء الشّباب البحرينيّون كُثر؛ يصعب إحصاؤهم في هذه المداخلة، لكن حسبنا أن نشير إلى بعض التّجارب البارزة الّتي قطعت شوطًا زمنيًّا عريضًا في تجربتهم, كحسين السّماهيجيّ عبر المدارات الّتي يدور فيها في نصوصه؛ إذ هي تمثّلات الحياة برمّتها؛ فهو متمرّد، وحالم، ومتصوّف في أغلب الأحيان.. تجربته نابعة من قلق الشّاعر الّذي تلهث خلفه هموم الوقت، وثقل الابتكار، يقول:
في المرايا تشير إليّ يدٌ
كنتُ أمحو الحروفَ التي خرجتْ من عروق...
واستقرّتْ على جبهة الأفق
ما بين صوتـَين في هامش الصفحة القادمة
هناك أنا..
وهنا غِبتُ عن صورتيَّ
وهناك تجربة على الرّغم من عدم كثافتها لكنّها جديرة بأن يسلّط الضّوء عليها, تجربة الشاعر حسين فخْر؛ كونه يحفر في إضاءات ذاتيّة حالمة، يعاقر التفعيلة، وربّما انفتح بخجل على قصيدة النّثر. يقول في نصّ أخوة الزّجاج:
أوَلمْ أقلْ من قبلُ فلنرجعْ..
فقلتُمْ: لا
قطعنا نصفَهُ، والوقتُ ذو حدينِ.
كما نشير لتجربة الشاعر حسن يوسف كمال، تجربة العذوبة والوجدان الحيّ المرهف، يعاقر التفعيلة والعمود، يُدخلك خلسة في تقاطيع الخيال العاطفيّ، ويصدمك فجأة بالفكرة المصوّرة. وتجربة الشاعر فواز الشّروقيّ الذي لا يفكّر كثيرًا في تنضيد صور نصوصه، وهندسة تفاصيلها، لكنّه يُجر وجدانيّاته على سجيّتها؛ فتُبهرك تلك السّجيّة.
ذلكم هو الشّعر الحديث في البحرين، وتلك هي الأحقاب الثّلاثة الّتي شكّلت ملامحه وتفاصيله؛ فالشّعر على تلك الجزيرة كحياة الأجيال المتناثرة، فيها تراكماتٌ لا تنضب من الجمال والعشق الحالم، وثمّة جيل آخر جديد، يتلمّس طريقه نحو الخلاص، سيُبهرنا يومًا ما كما أبهرنا الآخرون.