بالرغم من أنك ضقت ذرعاً من أخبار الدنيا الهائجة هذه، إلا أنك تشاهد التلفاز؛ حتى لو كنت مجبراً؛ بين الفينة والأخرى. وقد يبدو لك أنك محصّن ضد هذه الفوضى الأخلاقية والسياسية، ولكن هل أنت واثق من انفلاتك من التأثير السلبي لتلك الفوضى؟ وإذا كنت أنت قد حصَّنت نفسك من التأثير السلبي بمجموعة مبادئ اكتسبتها من التربية والحياة، فماذا عن أولادك وأحفادك؟ أي الأجيال الجديدة؟.
كل القنوات الفضائية تدعوك لنمط واحد من التفكير؛ وهو قياس كل شيء بالمصالح!، وأن تقدم «مصلحتك الشخصية» على كل ما عداها. كما أن حياة المدرسة والجامعة والشارع والإعلام وغيرها، تسيرك كالدمية باتجاه «المنهج المصلحي»- إذا صح التعبير، والمبادئ تبقى مجرّد نصوص تحفظ عن ظهر قلب بدون معنى. أما التربية في العائلة الصغيرة والكبيرة والمجتمع كله؛ فتدعوك للتعامل مع الآخر بالمبادئ وليس المصالح!. فبر الوالدين والحرص على الأخ والأخت والزوجة والأولاد والأحفاد والأقارب وما إلى ذلك، كلها مبادئ لن يحاسبك أحد إذا لم تلتزم بها سوى باللوم. أما عدم السرقة أو القتل أو الغدر فهي مبادئ أيضاً ولكنها تحت عباءة القانون.
العلاقة بين المنهج المصلحي والمنهج المبدئي لا تنفصم، وهي جدلية بكل معنى الكلمة!. ففي داخلك صراع شديد بين المبدئية والمصلحة، وإن تغلبت المصلحة أصبحت متوحشاً!، وإن تغلبت المبدئية قد تفقد حياتك من أجل الآخرين!. التناسب بين الاثنين مطلوب، ولكنه خاضع للمجتمع ومقدار تطوره من جهة، وخاضع للفرد ومدى تحصينه تربوياً ضد المغريات.
الطامّة الكبرى في مسألة المصلحة والمبدئية هي السذّج من الناس!، فعندما يأتيك أحدهم، ويقول بلغة المثقف الرفيع: في أوروبا والدول المتقدمة، الأب المليونير، يطرد ولده عندما يبلغ سن الثامنة عشرة، من أجل أن «يستقل» عنه ويكوّن نفسه بنفسه!. ماذا يمكنك أن تقول لمثل هذا الساذج أو «المستهبل»، سوى أن اللص الأكبر، أي الأب في هذه الحالة، يرمي بولده في الشارع كي يتعلم اللصوصية!. ويأتيك ساذج آخر ليقول: السياسة مصالح؛ ومن مصلحة إسرائيل إبادة الفلسطينيين والتخلص منهم!.. عجباً .. إذا كانت المصلحة هي الأساس في التفكير، فلماذا لا تقول أيها الساذج الحقير: إن من مصلحة الفلسطينيين قتل الإسرائليين جميعاً، بل قتل يهود العالم أجمع؟. ولكن الفلسطيني أشرف منك ومن الصهاينة ألف مرة، فهو بالرغم من عذاباته لا يريد القتل، بل يريد السلام!، فهل هذا المطلب يحسب على المصلحة أم المبدأ؟.
** **
- د. عادل العلي