علي الخزيم
من المؤشرات الإيجابية الجيدة أنه منذ أكثر من شهر والمجتمع الافتراضي (كما يقال) يتحدث عبر وسائل التواصل بنشوة وبهجة مسبقة بقدوم الشهر الكريم، فروحانية رمضان المبارك غامرة للنفوس والمشاعر بأكملها، وتستعد الأسر للركن الإسلامي العظيم بما يختلف ويتميز عن غيره من أشهر السنة، ويخطط من لم يسبق له أداء العمرة تأديتها خلاله طلباً لمزيد من الأجر والمثوبة، وختامه عيد الفطر المبارك وهي شعيرة إسلامية لها روحانيتها ورونقها وبهجتها الخاصة بها، مما يزيد القيمة الاحتفائية برمضان المعظم.
والعالم الإسلامي بكل مستوياته يحب التجديد بالمائدة الرمضانية، وما أجمله من تغيير يشعرك بأنك تعيش شهراً مميزاً يغذي مشاعرك الروحانية بمزيد من العبادة والطاعات والمبادرات الخيرة الملائمة لحياة الناس خلاله، كما تتغذى الأنفس والعيون بأصناف من الطعام قد تندر بالشهور خلاف رمضان وكل مجتمع وما تعود عليه كسمة من السمات الرمضانية المحببة، ولكن هناك من يفهم المسألة بخلاف المراد من تكديس للأطباق نتيجة لتكديس المشتريات الرمضانية قبل حلول الشهر بأيام وبطريقة اندفاعية لا واعية؛ بسلوك شرائي عشوائي دون تخطيط وبلا دراسة للاحتياجات والرغبات العائلية، فالنَّهم الشرائي أحياناً يشبه حالات التقليد الأعمى بمفاهيم تعني أنه كلما حل رمضان فلا بد من تكويم الأطعمة وإن لم نستهلكها، وكأنه لا يجوز الصيام إلا بالهدر المادي وامتهان النعمة.
التنوع والتجديد بسبل الحياة وطرق العيش جميل ومطلب شرعي إذا لم يصل إلى حد الإسراف ونكران النعم، كما أنه قد يتجاوز مفهوم ومضامين الصيام ومقاصده الشرعية، وكمثال فإنه بدلاً من أن يستشعر البعض الأثر النفسي والبدني خلال الصوم وتَذَكُّر ما تعانيه أسر محتاجة لعطفه وكرمه؛ يأخذ بتصوير موائده وأطباقه وحلوياته وبثها على الملأ وبطبيعة الحال أولئك الأطفال من الأيتام والمساكين وحتى الكبار يؤلمهم مثل هذا التصرف ويوحي لهم بأن مجتمعاً يعيشون وسطه غير مهتم بهم أو أنه لم يعلم بوجودهم، أو لا يريد أن يعلم ويهتم، وأجزم وأعرف أن بيننا من يختلف عن أولئك؛ لكنهم القلة وكان يجب أن تكون الأكثرية هم أهل المبادرات الخيرة والأعمال الجليلة وأن تدوم سحائب عطائهم وعطفهم على المحتاجين أياً كان صنفهم وموقعهم مستمرة لا تَفْتَر بعد كل موسم خير، والشرع الحكيم حين حثنا على فعل الخيرات لم يقيدها بشهر أو أيام، والله سبحانه صاحب الفضل والعفو والمغفرة لم يقيد مجازاتنا على الإحسان بزمن معين.
وأرى أنه بتجديد المائدة الرمضانية تجديد للروحانية وتذكير للصغار والشباب بأهمية الشهر وعظم أجر صيامه وقيامه والتسابق للأعمال الخيرية خلاله، ويفترض من ربات البيوت ألاَّ يُسَخِّرن مطابخهن لصناعة ما يضر من أصناف الطعام، وذلك بالابتعاد عما يحتوي الاصباغ والزيوت الضارة وما يربك عملية الهضم وتلبك المعدة، وأن يسعين إلى توعية أفراد أسرهن إلى كل مفيد يساعد الصائم على تغذية وتقوية جسمه واعانته على العبادة والعمل، ومع توالي الأجيال يكون المجتمع قد أفاد من تجاربه وأثبت أن النساء والأمهات مدارس للأجيال ينهضن بالمجتمع.