رمضان جريدي العنزي
المجتمع المدني من أبرز سمات الدول المتقدمة؛ كونه مجتمعًا فاعلاً وعمليًّا وواقعيًّا ومنتجًا وفعالاً، وقبل ذلك هو وطني، ينتمي للوطن بثبات ويقين وهوية ومعرفة، ويحمل تطلعات الوطن، شأنه وهمه ونموه واستقراره، بعيدًا عن الانتماءات القبلية، وصوت العرق. إن الغرب نجح نجاحًا باهرًا، واستطال وتمدد وصعد.. عمل أفراده وتعلموا وأنتجوا، زرعوا وحرثوا وحصدوا وصنعوا باسم المدنية الوطنية البحتة، بعيدًا عن الأعراف القبلية، والانتماءات العرقية، والآفاق الضيقة، والازدراءات المقيتة، والنقد الباهت، والتلفيقات الواهنة، والتصنيفات الفكرية، وأمراض اللغو. إننا اليوم نعيش عهد الانفتاح والتنمية والمحاسبة والمشاركة الجمعية الفاعلة، والتنمية المستدامة، بعيدًا عن الانتماءات القبلية، والانتماءات الاجتماعية، والانتماءات المكانية والمناطقية، والافتخارات، والمهايطات العالية، والسرديات المغالطة، والانتصار لذوي القربى. إننا نمرُّ بمرحلة جديدة، أسها الوعي الذي يفترض أن يكون متلازمًا مع تقدير العمل والإنتاج؛ لكي نرتقي وننافس وننجح. إن المجتمعات المدنية مثقفة، ولها تشكيلات وعي مغاير وسلوكيات عطاء، وتمقت المصدات والمعاقات، وتدرك جيدًا مفهوم المواطنة الحقة، وتلبي احتياجات الإنسان على اعتباره إنسانًا، وعلى اعتباره مواطنًا بحتًا، بعيدًا عن اللون والعرق والجنس. ومتى صارت الحياة قائمة على أساس أدبيات المجتمع المدني فإن بناء الإنسان سيكون سهلاً وميسرًا، وسيتحول من عالة خامدة إلى فرد منتج فعال، ينتمي للمجتمع، ويشارك معه في صناعة المستقبل. إن المجتمع المدني يرفض الآفاق المسدودة، والفضاءات المعتمة، ويرفض النكوص والفشل، ويرفض الانطواء والانضواء في كنف التخلف، وعباءة الانهزام، ومحاضن الانتماءات البدائية الضيقة. إن المجتمع المدني ناشط في ترسيخ المفاهيم الثقافية والتطويرية، وتربية الأجيال الناشئة، بعيدًا عن الدوائر الضيقة، وشحن العقول بما يناقض المنطق والحال والواقع، ومفردات الفزعة الفزعة، والجبان لا يعيش، والمسالم مسكين، وإن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب، و»ازهلها»، وغيرها من الأقوال التي لا تزرع قمحًا، ولا تنشئ مصنعًا، ولا تبني حتى حائطًا صغيرًا، فكيف بمستقبل وطن وأمة؟ إن المجتمع المدني له نزعات متساوية في البناء وفي العطاء وفي إعطاء الفرص، ويرفض التصنيف الجاهلي، والفوقية المقيتة، والتعالي الضيق، والتميز الأغبر. والناس في واع المجتمع المدني جميعهم في ميزان واحد، عدلاً واعتدالاً، ولكل إنسان الحق في ممارسة العمل، والكسب والتكسب، والعمل والإنتاج، دون ضرر ولا ضرار، بعيدًا عن أدبيات الانتقاص، وعدائية التصوير والتصور، والانتقائية والترصد والاستسهال في الكلام والتصنيف. إن المجتمع المدني فاعل ومؤثر ومشجع على نطاقات واسعة، كما أنه يملك وسائل الترابط والتواصل والتعاضد بين مكونات المجتمع، ويلعب أدوارًا مهمة في ضبط السلوك والمسيرة والعمل، وفق نظم جمالية وأعمال رائعة ونبيلة. إن المجتمع المدني يرفض إفرازات التعصب أيًّا كان نوعه، ويمقت ثقافة التحقير والانتقاص، والمبالغة في الاستعراض الواهن، والشحن المنفر، والمفاخرة الباهتة، والعيش في الزوايا المعتمة، واجترار الماضي الدفين، ومحاولة إحيائه وفق صور شتى، وأساليب مختلفة. إن المجتمع المدني بكل تأكيد يتجاوز كل ذلك بكثير، بل يتجاوز كل الحدود الصغيرة الضيقة إلى مفاهيم أعم وأرقى وأشمل. إن علينا لكي نرتقي أن نهزم كل فكر أحادي، لا يؤمن بالوطنية البحتة، والانتماء الوطني البحت، ويرفض التغيير نحو الأفضل والأرقى، روحًا وعقلاً وبدنًا. إن علينا لكي نرتقي بتمدن حقيقي على أساس واقعي وسليم أن نبعد كليًّا عن فكر التقوقع والتعصب وخطاب العنصرية المقيت، وأن نتوقف عن بذر بذور الوهن والنكوص والتخلف، ومحاولة تحويل البوصلة لاتجاهات غير صحيحة ولا واقعية ولا ممكنة، لا تعطي فائدة، لا تمنح ضوءًا، ولا تفتح أفقًا جديدًا، ولا تهيئ لإشراقة شمس باهرة.