مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
طالب خبير تربوي وأسري المجتمع المسلم بالتعاون والتناصُح للقضاء على العقبات التي تقف حائلاً أمام الراغبين في الزواج، التي كثرت هذه الأيام! ومنها على سبيل المثال: الارتفاع الفاحش في المهور لدى بعض القبائل والعشائر، وأحيانًا في المدن، والإسراف الواضح في وليمة الزواج مع عدم المحافظة على بقايا الطعام في الكثير من الحفلات، وتعدُّد المناسبات والحفلات قبل مراسم الزواج الرئيسة منهك للأسر وعواقبه وخيمة، فهناك: (يوم تسليم المهر، والشَّبْكَة أو المِلْكَة، والغُمْرة ثم الدُّخْلَة ... إلخ)، ثم تأتي الهدايا التي يقدمها العريس لوالد العروس وأُمِّها وجدتها وإخوانها، وبعد ذلك تأثيث سكن الزوجية، وإحضار مُغنِّيات أو مُنشدات للنساء، أو مغنِّين أو مُنشدين للرجال يُدفَع إلى بعضهم مبالغُ مرتفعة، ناهيك عن المحظورات الشرعية التي قد تُصاحِب كلَّ ذلك.
ودعا الدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي عميد الأكاديمية العالمية للدراسات والتدريب في رابطة العالم الإسلامي الجميع دون استثناء - وخصوصًا العقلاء ومن بيده العصمة - إلى أن يتَّقُوا الله تعالى في حفلات الزواج، وأن يعملوا على تقليل وتخفيف تكاليفه بالصورة المعقولة والمقبولة من غير إفراط أو تفريطٍ، لِما في ذلك من البركة والخير للزوجين، ويُؤكِّده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعظمُ النساء بركةً أيسرُهُنَّ صداقًا)[15]، وفي رواية: (أيْسَرُهُنَّ مؤونةً)[16]، كما أن في ذلك قدوة للغير، وينال المُقْتَدَى به الأجر؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسنةً فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر مَنْ عمِل بها، لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سَنَّ سُنَّةً سيئةً فعمِل بها كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عمِل بها لا ينقص من أوزارهم شيئًا)[17].
وبيَّن د. عبدالرحمن الحازمي المضامين التربوية العظيمة للنكاح في الإسلام حيث يأمر الله تعالى عباده المسلمين بالزواج؛ لما فيه من غايات سامية؛ منها: حصول الاطمئنان والاستقرار النفسي، وحصول المودَّة والرحمة بين الزوجين، وإشباع الغريزة الجنسية بالطريق الشرعي، والتعارُف والتقارُب بين الناس والشعوب، وحفظ واستمرار النوع البشري، وسلامة المجتمع من الأمراض الحسية والمعنوية التي يسببها العزوف عن الزواج، كما وعد الله تعالى المُقْدِمِينَ عليه بالغِنى من فضله جلَّ جلاله في حالة كونهم فقراءَ، ويقول القرطبي رحمه الله: إن هذه الآية دليلٌ على تزويج الفقير، ولا يقول: كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رِزْقَه على الله تعالى[6]، وقال الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، يُنجز لكم ما وعدكم من الغنى»[7]، مشيراً إلى إنَّ فَضْلَ اللهِ واسع، ورزقه لا حدود له، كما أن لله سبحانه وتعالى نفحات ومكرمات - قد لا تخطر على بال - يتجلَّى بها على عباده الواثقين به، والمتوكلين عليه، فيُهيِّئ لهم أسباب الرزق بعدما ظنُّوا أن الأبواب والمجالات قد أُوصِدت في وجوههم، فهذا وعد الله تعالى ولن يخلف الله جل جلاله وعده؛ قال تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 6].
وشدَّد د. الحازمي على أهمية التوسع في إنشاء جمعيات أهلية خيرية لمساعدة الراغبين على الزواج في الوقت الراهن، حيث أصبح أمرًا في غاية الأهمية ومطلبًا ملحًّا في ظل التكاليف الباهظة التي يتطلَّبها الزواج، والتي تنوء بكاهل الكثير من الشباب، وتوجد في المملكة العربية السعودية - ولله الحمد - جهات متعددة، تتولَّى تقديم الإعانات لراغبي الزواج: حكومية، والأخرى أهلية، ولكل منها فروعٌ في بعض المناطق، فالجهة الحكومية هي: (بنك التسليف والادِّخار السعودي)، ويُعطي قرضًا للزواج يُقدَّر بستين ألف ريال وَفق شروط معينة، وفعلًا قُدَّمت هذه القروض فوائدَ جليلة تَحَصَّن بها الكثير من الشباب، واستقرَّت حياتهم بعد أن كانوا في متاهات العزوبية تائهين، وأما الجهة الأهلية فتُمثّلها عدة جمعيَّات خيرية في مختلف مناطق المملكة، ويشرف عليها نُخبة من المشايخ وطلبة العلم، وحبذا نشر أفكار هذه الجمعيَّات في المجتمعات الإسلامية، مع السعي إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي لها عن طريق الموسرين وأهل الخير في العالم الإسلامي؛ ليعم نفعُها كافةَ شباب الإسلام في البلاد الإسلامية.
وبيّن د. عبدالرحمن الحازمي إن زيادة الناس قابَله توسُّع في العمران، وأدَّى ذلك إلى تباعُد بعضهم عن بعض، أضِفْ إلى ذلك انشغال الكثير منهم في أمور الدنيا، وعدم وجود وقت للتعارُف أو التزاوُر، كل ذلك تسبَّب في عدم معرفةِ الأُسَرِ بعضِها بعضًا؛ مما جعل الكثير من الشباب والشابَّات يحجب عن الموافقة للارتباط بالآخر لعدم المعرفة الكاملة لكل منهما، وهذا الواقع العصري الجديد يفرض وبإلحاح شديد إنشاءَ جمعيات ذات فروع متعددة تُعنى بتعريف الراغبين في الزواج من الجنسين، شريطة أن تتسم أعمال الجمعية بالسرية التامة، وهذا يتطلب أن يكون المشرفون عليها من الأخيار المعروفين بالصلاح والتقوى والسمعة الحسنة، وبالإمكان أن تحصل الجمعية على مقابل مادي رمزي للقيام بهذه المهمة في حالة عدم وجود مخصَّصات مالية خيرية تغطي أعمالها، مشيراً إلى أنه مع ارتفاع نسبة الطلاق وخصوصًا لحديثي الزواج التي وصلت إلى 40 % في بعض المجتمعات؛ أي: (40) حالة طلاق لكل (100) زواج، وهي دون شك نسبة عالية جدًّا، ويترتَّب عليها مخاطر اجتماعية كبيرة؛ منها: التفكُّك الأُسري، وتشتُّت الأطفال إن وجدوا، وارتفاع نسبة المطلقات، وازدياد نسبة العنوسة؛ لعزوف الشباب عن الزواج كردِّ فعل لارتفاع نِسَب الطلاق، وهذا الواقع يفرض على المهتمين بالشؤون الاجتماعية والمصلحين والمربِّين - أن يكون في كل حي جمعية للحماية والاستشارة الأسرية، يشرف عليها متخصِّصون في الشؤون الشرعية والاجتماعية والتربوية والنفسية، وموثوق بهم، تتولَّى الإصلاح والتوفيق بين الأزواج، ومعالجة المشكلات الأسرية بسرية تامَّة؛ لأن كثيرًا من حالات الطلاق تكون بسبب أمور تافهة تُركت وأُهملت حتى كَبرت في نفوس الزوجَيْنِ وعَظُم أمرُها، وحدث ما حدَث، كما يتطلب أن تقوم هذه الجمعيات بتقديم دورات توجيهية للراغبين في الزواج للشباب وللشابات، وبهذين المقترحين يُفضَّل عدم إتمام عملية الزواج أو إثبات عملية الطلاق، إلا بعد إحضار ما يثبت الرجوع إلى هذه الجمعية.