محمد آل الشيخ
يبدو أن داعش بدأت تتخبط، وتُنفذ عمليات توحي بأنها غبية وارتجالية. عملية الزلفي الإرهابية الداعشية هي بمقاييس الإرهاب تعتبر عملية حمقاء غير مدروسة واندفاعية وليس لها أهداف يمكن تحقيقها، وكان لا بد لها أن تفشل بالضرورة. أن تحاول بأربعة أفراد اقتحام مقرٍ أمنيٍّ محصنٍ، لم يتم رصده ومراقبته جيدًا قبل التنفيذ كما ينبغي، يشي بوضوح أن الإرهاب بشكل عام، والدواعش تحديدًا، أصبحوا بالفعل يكتنفهم التخبط والإحباط، وربما -وهذا ما أرجحه- أنهم شعروا بأنهم محاصرون، وليس بإمكانهم الحركة، وأن نهايتهم وشيكة، فأقدموا على هذه العملية التي كانت إلى درجة كبيرة اندفاعية، بل وحمقاء، لذلك تمكنت قوى الأمن من إحباطها، وقتلهم جميعًا، دون أي خسائر بشرية.
داعش تعتمد في عملياتها الإرهابية على أسلوبين، الأسلوب الأول ما يُسمونه: (الذئاب المنفردة)، التي يتخذ القرار فيها الإرهابي نفسه، دون الرجوع لقيادته. أما الأسلوب الثاني فمن خلال (الخلايا النائمة) التي تبقى متخفية وفي حالة كمون، حتى تأتيها الأوامر من القيادة بالتحرك، ويمكن القول إن إرهابيي الزلفي كانوا من الخلايا النائمة، لكنهم لأمر أو لآخر تحركوا على عجل، ربما بعد أن شعروا بشكل أو بآخر بأنهم مراقبون، فقد أعقب عملية مداهمة مبنى مباحث الزلفي مباشرة ضبط بقية أفراد الخلية في أحد استراحات الزلفي، وقدرهم ثلاثة عشر، وقد سارعت قوى الأمن بالإعلان عنهم وعن أسمائهم، ما يعني أنهم كانوا مرصودين من قبل قوى الأمن مسبقًا.
وهناك آخرون لهم رأي آخر حول ملابسات هذه العملية، مؤداه أن الدواعش، وليس القاعديون، يفتقرون إلى قيادات محترفة، وأن إقدامهم على هذه العملية (الغبية) تؤكد ما يذهبون إليه، فأكثر الدواعش -في رأيهم- صبية مغفلون ومتحمسون، وقياداتهم جهلة وعوام، يؤمنون بأنهم أصحاب حق، وفي حساباتهم أن الله سينصرهم، ويقف معهم، مهما كانوا قلة، بل قد يذهب كثير من سُذجهم إلى أن ملائكة من السماء ستنصرهم وتحارب معهم، كما كان يروج أحد أساطينهم في حروب الدواعش في سوريا.
وعلى أية حال، فمهما كانت دوافع إقدامهم على هذه العملية الرعناء، حتى بمقاييس الإرهابيين أنفسهم، فإن المطمئن لنا نحن السعوديين أن قوى الأمن في بلادنا هم بالفعل في غاية اليقظة، وعلى مستوى المسؤولية، خاصة أن هذه العملية أعقبها بشكل مباشر، وفي زمن وجيز، القبض على بقية الخلية، دون أي خسائر بشرية من رجال الأمن بل ودون أي مقاومة، وربما تمت مداهمتهم على حين غرة، ومن غير لا يحتسبون.
ولعل ما يبعث على الاطمئنان أيضًا أن هذه الخلية النائمة، أصبحت نادرة قياسًا بمثيلاتها في الأعوام السابقة، فقد مضى زمن طويل نسبيًّا دون أن نسمع عن مثل هذه الخلايا، أضف إلى ذلك -وهو المهم- أن اتفاق السعوديين بمختلف فئاتهم على التنديد بهذه العملية وشجبها وتجريم أفرادها، هو ما يُشير بكل وضوح أن الوعي قد تغير، ففي السابق، كان هناك كثيرون يدافعون عنهم وعن أفعالهم على أنهم مجاهدون أخيار، بل ويمجدونهم في بعض الأحايين، أما الآن، ومن خلال أحاديث الناس في المجالس الخاصة، وكذلك في مواقع السوشل ميديا، تجد بوضوح لا ينكره إلا مغالط أو صاحب هوى، أن الأغلبية الساحقة تقف مع رجال الأمن، وضد هذه الفئة الباغية الخارجة، وهذا يعود إلى ما رآه الناس من أهوال يشيب لها الولدان سببتها هذه الفئات الإرهابية للبلاد التي مرت عليها رياحها، مثل سوريا والعراق وليبيا.
وختاماً دعوني أقدم لأولئك الأبطال في أجهزة الأمن، سواء كانوا أفرادًا أو ضباطًا أو مدنيين كل الشكر والتقدير والامتنان والاعتزاز بجهودهم التي هي من إنجازات الوطن وسبب من أسباب استقراره، فأنتم فعلا لا قولا الدرع الحصين الذي تتمناه كل دولة من دول العالم.
إلى اللقاء.