د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ذكرنا في مقال سابق كيف أن الأعراب، وصلوا إلى إفريقيا مع جيش عقبة بن نافع الذي فتح شمال إفريقيا، وكيف عاد بعض أشرافهم، وبقي عامة الجند هناك، وبعد ذلك منع الخلفاء الأعراب من الانتقال من المشرق إلى الضفة الغربية من نهر النيل، ثم سمح لهم الحاكم الفاطمي بذلك، للخلاص من الزيريين الذين تمردوا عليه، فكان لهم ما أراد فقتلوا رئيسهم صبراً، وحكموا باسم الفاطميين، وكان عدد المقاتلين من الأعراب خمسين ألفاً، وعدد لا يحصى من النساء والأطفال، ومن بعد ذلك انتشروا في الصحراء، لأنهم لا يستطيعون العيش إلاّ في الصحراء، كما هو السمك في الماء.
نقف عند حسن الوزان الذي زار تلك المناطق عام 920 هجرية، ونقل لنا وصفاً لعاداتهم طبقاً للمناطق التي قطنوها، وبدأ بالأعراب الذين يقطنون في صحراء ليبيا، وما حولها، ويذكر أنهم يعيشون عيشة بؤس وفقر مدقع، وهم لا يختلفون عن السكان الإفريقيين الذين كانوا يسكنون هذه الصحراء قبل أن يدفع بهم الأعراب جنوباً، إلاّ أن الأعراب أكثر شجاعة منهم، ويتاجرون بالجمال والخيل مع الإفريقيين في أرض إفريقيا وتحت الصحراء، وكثيراً ما يخرجون لصيد الغزال، وحمار الوحش، والنعام، والمها كما يذكر.
يذكر أنهم ينظمون القصائد المطولة يذكرون فيها غاراتهم، وشجاعتهم، وكفاءتهم في الصيد، وينظمون القصائد الغزلية الرائعة والرقيقة، ويقول حسن الوزان، إن تلك الأشعار المقفاة تشبه قافيتها أبيات الشعر الإيطالي الشعبي، ولا ننسى أن الوزان قد عاش في إيطاليا في كنف البابا ليون العاشر، وبعده الكاردينال الذي رعاه، نحو ثلاثين عاماً، وسجل كتابه وصف إفريقيا في تلك الفترة من وحي ذاكرته.
ويذكر أنهم كرماء لكن ليس لهم موارد تبين كرمهم فجودهم من الموجود، ويذكر أن لباسهم يشبه لباس سكان الصحراء النوماديين الذين كانوا يسكنون الصحراء، وأرغمهم الأعراب على مغادرتها جنوباً.
ينتقل الحسن الوزان ليصف لنا حال العرب الذين يسكنون بين جبال الأطلس، والبحر المتوسط، وربما يقصد بلاد البربر كلها، ويقول إنهم أكثر هناء وغنى من أعراب الصحراء الليبية، ولديهم خيول أحسن من تلك، لكنها أقل سرعة، عند السباق، وروضوا أنفسهم فزرعوا أرضهم، فحصلوا على كمية من الحبوب، ويملكون عدداً كثيراً من الغنم والبقر، وينتقلون بها بحثاً عن المرعى أينما وجد، وسجل انطباعه عن سلوكهم، وقد يكون مبالغاً، فيقول إنهم أكثر وحشية وخيانة من عرب الصحراء، إلاّ أنهم كرماء.
ينتقل المؤلف إلى وصف عادات العرب الساكنين في الغرب من مراكش ودكالة، وذكر أنهم عاشوا مدة من الزمن متحررين من الضرائب، وبعد أن احتل البرتغاليون مدينتي آسفي وأزمور، ثارت الفتن بينهم، وتفرقوا إلى حزبين، دمر أحدهم حاكم فاس، بينما دمر البرتغاليون الحزب الآخر، ويذكر أن سوء الطالع قد صاحبهم في تلك السنة، حيث نالوا نصيبهم من المجاعة التي حلت بإفريقيا، ولهذا فقد هاجر العرب المساكين إلى البرتغال عن طواعية يعرضون أنفسهم كعبيد لمن يعولهم، حتى لم يبق منهم أحد بدكالة، وأرى أنه قد بالغ في ذلك مبالغة شديدة، فالعرب اعتادوا على العيش بالكفاف والصبر على الشدة والجوع، وقد يكون البعض فعل ذلك، لكن من المؤكد أن كثيراً منهم بقي، ونسلهم ما زال موجوداً في تلك المنطقة.
ينتقل الوزان إلى وصف عادات الأعراب الساكنين في تلمسان وتونس، فهم أحسن حالاً، وكل رئيس قبيلة يحصل من حاكم تلك المناطق على إعانات مالية ضخمة، يأخذ نصيبه منها، ويوزعها على قبيلة، حتى يتقي الحاكم الفتن والنهب، ويعيش في سلام.
وأعراب تلك النواحي يحبون اللباس الجميل، واكتساب الخيل الجميلة الفارهة المسرجة، والخيام الكبيرة الرائعة، ومن عاداتهم الذهاب إلى ضواحي مدينة تونس في فصل الصيف، ليتزودوا منها، ثم يعودون إلى الصحراء في فصل الشتاء، وفي الربيع يتسلون بالصيد بالصقور والكلاب، ويقول إنهم لا يتورعون عن النهب والقتل، رغم مجاملتهم المبالغ فيها، وهم يحبون الشعر، وعندما يستحسن رئيس القبيلة، قصيد أحد الشعراء يمنحه صِلات هامة.
ونساؤهم يلبسن لباساً حسناً، وهو قميص أسود، واسع الأكمام، يجعلن فوقه خماراً أسود، أو أزرق يتلحفن به، ويجعلن هدبة على اكتافهن من الأمام ومن الخلف، ويضعن أقراطاً من الفضة في آذانهن، وخواتم في الأصابع، وأسوار في اليدين، وخلاخل في الأرجل، ويضعن أمام وجوههن ثوباً صغيراً مثقوباً أمام العيون فإذا رأين رجلاً ليس من أهلهن احتجبن فوراً بهذا اللثام.
ومن عاداتهن أنهن يخضبن بالحناء، وجوههن وصدورهن، وأذرعهن، وأيديهن إلى رؤوس الأصابع، أما الأعراب الذين تحضروا فإن نساءهم، يحتفظن ببياض بشرتهن، وإنما يستعملن أحياناً خضاباً مؤقتاً من الزعفران والعصفر، ويجملن به خدودهم على شكل دينار، وبين الحاجبين شكل مثلث وعلى الأذن شبه ورقة الزيتون، ويخضبن به الحواجب كاملة.
أليس ذلك وصفاً يستحق النقل لقوم عاشوا قبل زماننا هذا بأكثر من ألف ومائة عام، عاشوا زمانهم طبقاً للظروف السياسية، والطبيعية والعادات الموروثة وبعضاً من تعاليم دينهم.