د. حمزة السالم
نحن أبناء العام القادم! هكذا كان مزارعو المسطحات العظمى الأمريكية يقولون إذا ضرب الجفاف أو البرد أو السيول محاصيلهم ذلك العام. فبيئيًّا، فإن مناخ الوسط الأمريكي كان مناسبًا لنمو المراعي التي منعت التربة من التصحر، وأعاقت الرياح المدمرة. وشكلت هذه المراعي مواطن الغذاء للحيوانات البرية أكلة العشب، كالحصان والجاموس الأمريكي.
ومن بعد الحرب الأهلية، شجعت السياسات الفدرالية الأمريكية المهاجرين على استيطان هذه السهول العظمى وزراعتها، خاصة بعد أن قضت الحكومة على الجاموس الأمريكي، لإخضاع الهنود، وبالتالي نشرت الأمن في الوسط الأمريكي المتوحش.
وتشجيعًا للاستيطان، فقد كانت الحكومة تمنح كل مستوطن، أكثر من نصف مليون متر مربع في تلك السهول. وزاد الطين بلة، ارتفاع الطلب الأوربي على القمح والذرة.
وركب الموجة بعض السياسيين والفلكيين والمسترزقة، فروجوا خرافة «أن المطر يتبع المحراث». وتشدق بعض العلماء فقالوا إن التوطين والزراعة ستؤثر بشكل دائم على مناخ منطقة السهول الكبرى الشبه الجافة، مما يجعلها أكثر ملاءمة للزراعة.
والذي ساعد على انتشار هذه الخرافة، أن المطر لم يعد ينقطع عن هذه السهول العظمى كما كان سابقًا. فمع بدايات القرن العشرين، مرت أكثر من عشر سنوات من الغيث المغيث المنضبط في مواعيده، مما زاد الهجرة ووسع استصلاح الأراضي، وهذا يعني زيادة إزالة العشب والمراعي، وبالتالي اتساع الأراضي التي تجلس مكشوفة لعدة أشهر.
وزاد في الأمر الطين، انهيار أسعار القمح والمحاصيل مما دفع المزارعين لاستصلاح مزيد من الأراضي لتعويض النقص، فزادت الأراضي الجرداء. (رغم أن هذه زيادة في العرض مما يساهم أكثر في نزول الأسعار، أكثر كسياسة زيادة إنتاج النفط العالمي مثلا، التي تتولد عن محاولة بعض الدول تعويض النقص في مداخيلها).
وثم ومن بعد هذه السنين السمان جاءت سبع سنوات عجاف لم ينزل فيها المطر، فتصحرت مناطق شاسعة من الوسط الأمريكي، وخلا للريح المجال للانطلاق والتجمع بعد خلو الأرض من العشب. فتشكلت العواصف الترابية العظيمة، التي وصلت الشمال الشرقي. فضربت نيويورك وواشنطن، عواصف مخيفة، جاءت من تكساس وأوكلاهوما وكنساس وكولورادو. فمثلا، في مايو 1934، ضربت الساحل الشرقي، عاصفة ترابية ضخمة عمقها ثلاثة كيلومترات، جاءت من أراضٍ تبعد أكثر من ثلاثة آلاف كليو متر، مما أدى إلى تدمير المعالم مثل تمثال الحرية ومبنى الكونجرس.
وقد كانت هذه العواصف تعمل عملها في الوسط الأمريكي. فكانت تقتل الأطفال مباشرة أو بإمراضهم بالغبار. كما أهلكت العواصف الرملية كثيرًا من القطعان، حتى أنهم كانوا يفتحون بطن البقرة النافقة فيجدونها قد ملئت ترابًا، (هكذا نُقل). وكان الناس يربطون أنفسهم بالحبال لكيلا ترميهم العواصف بعيدًا. ولا ينجو أحد ما لم يتخذ وقاية تمنع من دخول التراب لجوفه، كوضع منشفة أو خرقة مبللة على فمه وأنفه.
وقد انتهى هذا البلاء على يد مهندس الإبداعات الجديدة، الرئيس الأمريكي المتفائل «فرانكلين روزفلت»، الذي أصر على إنقاذ السكان وإنقاذ الأرض معهم، رغم كثرة من أشار عليه بقطع الأمل من إصلاح الوسط الأمريكي وهجره، ككل الدول التي فيها مساحات ميتة كأرض صحراوية كالربع الخالي أو ثلجية كألاسكا وسيبيريا.
ولكن الرئيس الذي لا يعرف اليأس، تصاحب مع العزم والعقل والمشورة وقام بتعيين الرجال المناسبين، فعملوا بداية على إنقاذ الناس ثم أنقذ الأرض، وليصبح الوسط الأمريكي سلة الغذاء الأمريكية! وهكذا هم القادة، يحيون بلدًا أو يقتلون شعبًا.