د. محمد بن إبراهيم الملحم
طبقت وزارة التعليم مؤخرًا الاختبارات المركزية في كل مناطق المملكة لتشمل نسبة كبيرة وممثلة للمدارس، الأمر الذي سيجعل من نتائجها مقياسًا جيدًا لمستوى التعلم والتعليم لدينا بعيدًا عن الانطباعات أو المؤشرات غير المباشرة، وهي خطوة جبارة ورائعة وموفقة من وزارة التعليم التي بدأت تولي الجوانب النوعية مؤخرًا عنايتها بأسلوب علمي وبمداخل مستقاة من التجارب العالمية، وهو توجه موفق -بإذن الله، والواقع أن هذا النوع من الاختبارات مطبق في بعض بلدان العالم المتقدم مثل بريطانيا والولايات المتحدة وسنغافورة (حيث تسمى الاختبارات الوطنية) لتستخدمها في استخراج مؤشرات نوعية للتعليم، سواء على المستوى العام للتعلم أو على مستوى تعلم مواد أساسية معينة كالرياضيات والعلوم مثلاً أو اللغات أو مواد المهارات الحركية وما إلى ذلك، فنتائج مثل هذه الاختبارات يمكن أن تخبرك عن متوسط مستوى الطلاب في الرياضيات عبر البلاد كلها أنه مثلاً 94 % أو أن متوسط مستواهم في القراءة هو 87 % مثلاً وهكذا، فيسمى كل رقم من هذه بالمعدل الوطني. وهو يفيد كلاً من المعلم والمدرسة، حيث يمكن للمعلم أن يعرف أي من طلابه نتيجته أقل من المعدل الوطني في مادته، كما يمكن للمدرسة أن تعرف عن كل معلم ما إذا كان معدل نتائج طلابه أعلى من المعدل الوطني لتلك المادة أو أقل وهكذا، كما أن المنطقة التعليمية تستطيع أن تحكم على مدرسة من خلال معدلات التعلم أو التحصيل فيها إذا كانت أعلى من معدلات التعلم والتحصيل الوطنية أو أقل، وإذا كانت أقل فهل هي أقل بمقدار يسير أو بفرق كبير يستلزم المعالجة، وهكذا تمضي المنافع العظيمة للمعدلات الوطنية للإنجاز التعليمي من خلال ما تقدمه من معلومات متنوعة وشاملة عن واقع الإنجاز التعليمي عبر البلاد، وهذا الواقع هو انعكاس لأداء الأجهزة التي تعمل على تحريك محركات التعليم: كليات التربية التي تؤهل المعلمين وكليات العلوم والآداب التي تقدم لهم المعرفة، وأجهزة التدريب على رأس العمل التي تتابع تدريبهم وتقوي أزرهم، وجهات تأليف المناهج والمقررات، والإشراف التربوي الذي يتابع ويشخص ويقوم، والقيادة التربوية والمدرسية التي تدير وتشرف، والإرشاد النفسي والتعليمي، ومصادر التعلم والمختبرات وما إليها، كل هذه تمثل معًا المكونات المادية والمعنوية لمصنع التعليم الكبير، وإن تقييم المخرجات بأسس علمية يضمن لنا معرفة إلى أي مدى تؤدي هذه المكوناتبمجملها) أدوارها كما نتوقع.
بعض الدول لا تقدم على ضخ الأموال في ميزانيات جديدة للتعليم إلا بناء على نتائج مثل هذه الاختبارات (وتسمى عادة: الاختبارات الوطنية)، حيث إذا ظهرت مشكلة في تعليم إحدى المواد يمكن أن تخصص ميزانية مستقلة لبرنامج وطني يهدف إلى تحسين تقديم هذه المادة من خلال تدريب المعلمين أو إنتاج مواد تعليمية مساعدة أو فتح فصول أو معامل جديدة وما إلى ذلك بحسب طبيعة المادة ونوع المشكلة والتي ستكشفها غالبًا نتائج الاختبار الوطني (المركزي)، وربما لا تظهر المشكلة في مادة بعينها ولكن في كل المواد وإنما ضمن نطاق جغرافي أو بيئي معين، مثلاً مدارس منطقة معينة أو مدارس القرى النائية فقط أو مدارس من نوع معين (مثل المدارس الأهلية أو مدارس التعليم الخاص) ... ويتطلب توظيف الاختبارات الوطنية بهذه الطريقة تماثلاً كبيرًا عبر البلاد للمناهج ومؤسسات إعداد المعلم والمستويات الاقتصادية للأسر، وهو بالنسبة للمملكة متوافر بنسبة جيدة تجعل من الاختبار الوطني ملائمًا للتطبيق بخلاف بعض الدول التي تتباين المناهج بين مناطقها وأقاليمها أو تختلف المستويات الاقتصادية للأسر اختلافًا جذريًا، وبالنسبة للعامل الأخير فقد يظهر لدينا بين طلاب مجموعتين من المدارس: طلاب المدارس الحكومية في القرى والهجر وطلاب المدارس الأهلية ذات الرسوم العالية، وأنصح بعزل نتائج طلاب كل من هذه المدارس والتعامل معها بشكل منفصل. كما أني سأشير إلى جوانب أخرى في المقالة القادمة بإذن الله.