د. خيرية السقاف
العمل المؤسساتي من أهم عناصره الاستمرارية مع متابعة الإنجاز، وتقييم النتائج, لا مجال فيه لتفرد رئيس, ولا مروق فيه لمرؤوس بنوده واضحة, شروطه مناط تنفيذ, وقوانينه موقع تطبيق..
بعض الذين يخترقون جُدره يميلون بميزان ما يتوخونه من نتائج, ويعطلون ما يبدأه من تنفيذ خطط..
في المؤسسات التعليمية العليا لا يزال العمل المؤسساتي يعرج على قدم واحدة, هناك أسباب لهذا واضحة لكل ذي معرفة, وخبرة, الأول منها, حين تسند المسؤولية إلى من يتوخى فيهم القدرة الإدارية, وهم خلو منها اعتمادًا على عنصر من عناصر الاختيار وليس كل العناصر, والاشتراطات, وهو الدرجة العلمية, مع أن ليس كل من يحمل درجة علمية يكون مؤهلاً للقيادة, لأن القيادة من أهم عناصرها في القائد ما يتعلق بسماته الشخصية, ومؤهلاته الذاتية أولا, وليس مؤهله العلمي فقط, ففي المهنية لا يجب أن تغفل دربته, وخبراته, بما فيها تجاربه, ومعارفه, مع أن هناك الدورات التأهيلية الاستباقية, والدورات الامدادية التي تضيف للخبرات, وتتيح تبادلها في ورشاتها, وتستخلص نواقص ما يحتاج إليه الفرد في حال أن يكون قياديا, وتنقصه مهارات العمل, لكن ليست الدورات وحدها المعوَّل إن لم تكن شخصية القيادي ذات فاعلية, وأثر إيجابي..
السبب الآخر لعرج العمل المؤسساتي هناك هو عدم الاختيار الدقيق المقنن للقيادي, إذ غالبا ما ينبثق الاختيار على معايير اجتماعية, ومعرفة شخصية لا على معايير مهنية, وأحقية فعلية كالخبرات المختلفة, والمزايا القيادية باختلافها معرفة, وذاتا, إلى جانب التمتع بالمهارات الفكرية, والسلوكية, والسمات العديدة كسرعة البديهة, والقدرة على حل المشكلات, وأريحية احتواء المواقف, ومبادرة الخلوص من الأزمات, إلى جانب المواهب الذاتية كالحضور الذهني, والهدوء النفسي، والوعي الشامل, والدافعية النشطة, والتحفز للعمل, والميول للإنتاج, وبث الروح التفاعلية في بيئة العمل, والتجرد, والعدالة, وحسن الخلق, والموضوعية, والموضوعية, والتطوير, والتجديد, ومزايا القدوة..
إن المؤسسات التعليمية التي تعرج, تعرج لأنها تعتمد على الرأي الواحد للقيادي, وعلى الرأي الممتد إليه من «المقربين إليه» أصدقاء عمل, أو مصلحة, أو ميول, أو جهة, كذلك اعتمادها على مصادر الخبرات الواحدة, وعلى ضيق الأفق بأي رأي آخر..
وثمة سبب إضافي وذو أهمية وهو صراع النقيضيْن: والمقصود هنا ما عليه مؤسسات التعليم من وجود خبرات جيل سابق, وما أضيف إليها من خبرات جيل لاحق, فلا يستوعب الجيل الأول خبرات القادمين, ولا يستطيع الثاني التفاعل مع خبرات الأقدمين!!
ومن قبل وبعد, إن بيئة العمل حين لا تعتمد القيادي القادر على تشكيل فرق العمل التي تحذو نحو تحقيق شروط العمل المؤسساتي بأهدافه, وعناصره, وخططه, وقواعده, وقوانينه, ومراجعاته, وتقويمه، وتتجرد من سلطة الرأي الواحد للقيادي, ولفريقه المقرب إليه, فإن الوصولية تعم, والتملق يزيد, والرغبة في انتهاء ساعات العمل كيفما يكون الحال تهيمن, وحدوث الشروخ بين طاقم المؤسسة تزداد, ونمو روح الكراهية, والاختلاف بينهم تنتشر..
أما تحت مظلة قواعد العمل, وقوانينه, واشتراطات نتائجه, ومتابعة منجزه في تقسيم واع, عادل بين العاملين, وبتحفيز يقظ للحصاد المثمر فيه, فإن النجاح المؤمل سيكون حصاد المؤسسة, وانبثاقاته الاستشرافية تغدو تماما كالبذرة حين تعلو شجرة وارفة, تكون ثمارها الناضجة حصادَها الريان.