د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن الفترة العصيبة التي عاشها الرئيس ترمب، خلال المدة التي استغرقها تحقيق روبرت مولر، حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وكيف أن خصومه والإعلام تجاهلوا كل إنجازاته، وركزّوا جهدهم للتصعيد ضده، تزامنًا مع تحقيقات مولر، في سبيل الضغط عليه وعلى المحقق مولر، على أمل أن يتهور ترمب، ويعزل مولر مثلا، وهو الأمر الذي لو حدث لكانت تداعياته خطيرة، لأنه يدخل في باب: «عرقلة سير العدالة»، وهذا بحد ذاته قد يطيح بالرئيس، كما كانوا يأملون أن يتهور ترمب، ويستخدم بعض صلاحياته، أو حتى يتجاوز الصلاحيات، ثم يرتكب أخطاء فادحة، ولكن اتضح، حسب تصريحات وزير العدل قبل أيام، أن ترمب تحاشى حتى استخدام ما يسمح به القانون، وتعاون مع المحقق مولر بشكل كامل، وحثّ العاملين في إدارته على التعاون بشكل كامل أيضًا، رغم أنه كان مؤمنًا أن التحقيق برمته كان من تدبير خصومه في المؤسسات العميقة.
ولأن خصوم ترمب كانوا يريدون استفزازه وعرقلة عمله، ولأنه أعاد العلاقات السعودية- الأمريكية إلى سابق عهدها، عندما قرّر أن تكون هي أولى محطات زياراته الخارجية، كحدث تاريخي غير مسبوق، خصوصًا وأن المملكة أعدّت للأمر عدته، واستضافت خمسين زعيمًا سياسيًّا، فقد نالت المملكة النصيب الأكبر من هجوم الساسة والإعلام الأمريكي، لأن الهجوم على أحد أهم حلفاء ترمب وإدارته، هو هجوم عليه، وتهوينا من إنجازاته، التي كان من أبرزها العمل الجاد مع الحلفاء لمكافحة التطرف والإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني، إذ ترى إدارة ترمب أن إيران تمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، وحلحلة قضايا الشرق الأوسط العالقة، ولم يكن هجوم الإعلام الأمريكي على المملكة عاديًّا، بل كان مكثفًا وعنيفًا، مدعومًا بعمل اللوبيات الضخمة، التي تتحكم بمؤسسات وشخصيات إعلامية من عيار ثقيل.
ثم بعد كل ذلك، تمخض تقرير مولر فَوَلَد براءة ترمب من التواطؤ مع روسيا، والمثير للسخرية هو أن خصوم ترمب لم يتركوا صفة عظيمة إلا وأطلقوها على المحقق مولر، وهو يستحق بلا شك، فهو قانوني بارع بتاريخ مميز، ويكفي أنه كان مديرًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة طويلة، وذلك لأنهم كانوا على يقين بأنه سيدين ترمب، وبالتالي سيزودهم بالأسلحة اللازمة لبدء إجراءات عزله. هذا، ولكن ما أن صدر التقرير بنتائج مفاجئة، وعلى غير ما يشتهون، حتى قلبوا ظهر المجن، وتناسوا إشاداتهم بالمحقق مولر، وهي الإشادات التي لم يجف حبرها، وبدؤوا يطالبون بالتحقيق من خلال الكونجرس، وكأن مولر لم يستعن بعشرات المحامين، وينفق عشرات الملايين لمدة قاربت العامين، ومن يستمع إلى عضو مجلس النواب، آدم شيف، لا يمكن أن يصدق أن هذا هو ذات النائب، الذي كان لا يتوقف عن الإشادة بتميز مولر ونزاهته، وسنواصل الحديث!