عبدالعزيز السماري
ما يحدث في السودان يستحق الوقوف والتأمل، فالخروج من حالة الصمت الطويل إلى الشارع بهذه الكثافة، والمطالبة بالتغيير بالطرق السلمية أجبر الجميع على متابعة الحدث التاريخي، وقدم دليلاً آخر على أن الإنسان عندما يصل إلى درجة اليأس يخرج من مكانه بلا خوف، فليس لديه ما يخسره، كذلك قد نفهم أكثر ماذا تعني حالة اللاعقلانية السياسية في بعض السلطات التي صعدت إلى الحكم من خلال الانقلاب العسكري، ومن ثم فشلها في إدارة البلاد بشيء من العقلانية السياسية، لأن البشر من البدء مخلوقات عقلانية مهما حاول البعض فرض بعض الأفكار على عقولها، فطبيعة البشر وفطرته تقول إنهم أحرار في اختيار طريقة عيشهم بغض النظر عن ما يمليه الآخرون عليهم.
من خلال هذه الصورة المصغرة تبرز الفروقات بين الفاشية السياسية والعقلانية السياسية، فالطبيعي أن تنتصر العقلانية في نهاية الطريق، والتي تستمد أفكارها من الحرية التي كانت ولا زالت الأصل الذي كان يعيش من خلاله الإنسان في البدء، ولهذه الأسباب سقطت الفاشية التي تستمد أفكارها من أيدولوجيات دينية أو قومية أو وطنية متطرفة، والغرض منها السيطرة التامة على العقول.
الفاشية هي بالتأكيد ثورية وديناميكية سياسية، ويعرفها البعض على أنها شكل من أشكال القومية المتطرف، «لا اليمين ولا اليسار»، وواسعة للغاية بحيث لا تكون مفيدة، وعلى الرغم من صعوبة تعريف الفاشية، فإن جميع الحركات الفاشية تشترك في بعض المعتقدات والأعمال الأساسية، فهي تتطلب بعض الولاءات الأساسية، مثل الأمة، إلى العظمة القومية، وإلى سباق جعل الأمة أقوى وأكثر قوة وأكبر وأكثر نجاحًا، ونظرًا لأن الفاشيين يرون أن القوة الوطنية هي الشيء الوحيد الذي يجعل الأمة متفوقة، فإن الفاشيين سوف يستخدمون أي وسيلة ضرورية لتحقيق هذا الهدف.
الفاشية السياسية تدعم شعورًا قويًا بالانتماء أو الإخاء والوحدة، عبر إثارة المشاعر وإطلاق العواطف الوطنية إلى أقصى حد، وإذا لزم الأمر عن طريق العنف الإقصائي، ويرتبط احترام الذات الفردي في عظمة المجموعة، وقد كانت أقصى درجاتها ما فعله أدولف هتلر وموسليني في ألمانيا وإيطاليا، فقد كانتا نموذجين لتطبيق الأفكار الفاشية، وهو ما حاول بعض العسكر العرب اقتفاء بعض آثاره، لكنهم فشلوا في تحقيق الإنجاز العلمي والعسكري.
بينما العقلانية تقوم على أساس نظرتهم المتفائلة بشأن الطبيعة الإنسانية، فالتيار العقلاني السياسي يسعى إلى تمكين الفرد شريطة ألا تقوض أفعاله حرية الآخرين، وفي مختلف جميع البلدان وعلى مر العصور، يدحض الليبراليون فكرة أن السلوك البشري يتشكل من خلال القوى غير العقلانية المتمثلة في الخرافات والأساطير، وبدلاً من ذلك، يزعمون أن البالغين قادرون تمامًا على اتخاذ القرارات بناءً على قناعاتهم الخاصة، لذلك لا توجد مجموعة من الأشخاص أقل عقلانية من أي مجموعة أخرى.
الوصول إلى هذا القدر من العقلانية السياسية هو ما حدث في السودان، فالخطاب السياسي الجديد يتجاوز القومية والطائفية، وأصبح يتحدث من خلال منظور عقلاني للمجتمع، ولهذا كانت أول خطواته رفض الفكرة الفاشية التي يتبناها العسكر في إدارة البلاد، وإعادة الإنسان إلى فطرته الأولى، فهل يتجاوز هذا البلد العربي الجميل أزمته السياسية، ويكتب أول صفحاته في عصر العقلانية السياسية.