رمضان جريدي العنزي
الفاشلون يبتكرون سلوانهم في رسم الأحلام الوردية، يزينون لأنفسهم عوالم مغايرة، يدغدغون أرواحهم بأشياء من خارج نطاق اللاممكن، يرسمون حقولاً لا تشبه الحقول، وينطقون بلغة لا تشبه اللغات، يرغبون بسعادة لا مثيل لها، وهناء وفرح دون كد ولا تعب أو سهر، في تخيلاتهم صور من جوهر ومرمر، لكن واقعهم خسائر فادحة ومُرة، لاهين، يدورون في الفراغ المميت، هم خارج نطاق الإثبات والتحدي، مثل أحصنة متعبة واهنة، أو قش، أو أعواد قصب رقيقة، الحياة عندهم هامشية وعادية، يعيشون على الحافة والهامش، الزمن عندهم هين، وعندهم الوقت واقف، يجيدون لعبة السذاجة، ويتسلون بالقهقهة؛ إذ فكرة الراحة عندهم عناوين تمنحهم شعورًا بالاستكانة والخدر والتكور، يتلاعبون بالفكرة، ويتخيلون عوالم تحلق بهم إلى القمر، ينظرون إلى الحياة بلا لهفة، ولا عشق، ولا مغامرة.. أرواحهم خاملة مثل حصى صغير، لا هو يذوب في الماء، ولا تفنيه الرياح، ولا هو يكبر ليصبح حجرًا كبيرًا.
في أنفسهم برود عارم، لا يعرفون الرجفة، ولا يجيدون القفزة، ولا يفقهون أبجديات التحدي، ولا كيف يستعملون البوصلة. في عيونهم غبش، والرؤية لا تسمو عندهم، ويصمون آذانهم عن نداء العمل، لا يستنهضون الهمة، ولا يبتغون العطاء.. لا يعرفون سوى أنفسهم، والتفاصيل الصغيرة، وإغماضة الجفن، والدثار الثقيل، والمقهى والسهر والرصيف. يومياتهم يابسة، ولياليهم باردة، ولا جديد عندهم غير الوهن. الأيام عندهم لا معنى لها، والأشياء عندهم غامضة، والحقائق غائبة. مصابون بالكسل، حتى أنهم لا يستطيعون الحراك، سوى سرد الأحلام الغريبة، ومضاجعة الوهم. يذهبون بعيدًا في التخريفات والتهويمات، والنتيجة وَهْم وسراب وتخيل؛ لأنهم موسومون بذوات خاوية، فاشلون، يعيشون التناقض والعقد، يحاولون الطيران بجناح واحد، ولا يريدون لآذانهم أن تسمع، ولا لقلوبهم أن تنبض.. متأرجحين بين الشك واليقين، والصمود والانهيار، والحكايا الغابرة، ونسج القصص الواهية..
ذلكم هم الفاشلون، النائمون في صومعة الذات، الهائمون في الخدر، المتسكعون في الوهم، وحكايتهم التي لا يشم فيها غير رائحة الكسل؛ لهذا نراهم يسيرون بعرج بائن في دروب الحياة وفضائها اللانهائي، متناسين عن عمد صياغة التوازن التي لا تؤدي إلى عطب ولا كسر ولا متاهة بسبب عجزهم عن تكوين الحكمة والدليل، وعدم قدرتهم على تفعيل العقل التوافقي في الوثب والمسير، وعدم معرفتهم بأن الإنسان لا يمكن أن ينجح في التخريف والتهويم والهرطقة، بقدر ما ينجح في الرسم والتخطيط والإثبات والتحدي والواقعية، وتحديد النقطة والهدف والارتكاز بدقة للوصول إلى حتمية النتيجة الناجحة الصحيحة والسليمة.