د. محمد عبدالله الخازم
أكمل ما بدأته في المقال السابق مؤكداً أنني أكتب هنا أفكاراً وليس تقييماً لعمل الجهات ذات العلاقة. كتابة الرأي تختلف عن كتابة (البروشور) الدعائي أو المقالة العلمية؛ صفتي هنا كاتب رأي، لست برفيسور جامعة ولست موظف علاقات عامة. فلسفة الابتعاث يفترض أن تتجاوز مجرد فكرة الحصول على درجة علمية لغرض سد الشواغر الوظيفية إلى ما هو أكبر كأن يتحول إلى برامج تبادل طلابي وأكاديمي - كما أوضحت في المقال السابق- يشمل طلاب الجامعات السعودية وأن يكون له أهداف معرفية وثقافية وفكرية تتجاوز الشهادة. البعثات لدرجة البكالوريس مهمة جداً في كافة التخصصات وأرى ضرورة استمرارها، ليكتفى بالابتعاث للدراسات العليا للجامعات والجهات التي هي بحاجة إلى شهادات عليا. لست أتفق مع حصر الابتعاث في تخصصات محددة كما لا أتفق مع آليات اختيار المبتعثين. أرى ابتعاث أوائل الثانوية حال تخرّجهم وفق معايير شفَّافة، كما يحدث في قبول الجامعات في التخصص الذي يختاره الطالب، لجميع التخصصات بعيداً عن ربط البعثة بالوظيفة وعن إجبار المبتعثين على تخصصات لا يرغبون فيها، وكأننا ندفعهم للإخفاق بدراسة ما لا يرغبون فيه والتخلّي عن خياراتهم في الحياة. نحن بحاجة إلى تطعيم جميع المهن بكفاءات ذات خبرات من ثقافات عالمية مختلفة. نحن بحاجة لخريجي جامعات وثقافات أجنبية في التربية، الاجتماع أو الآداب، أكثر من حاجتنا للمبتعث في الطب، إذا ما اعتبرنا هدف الابتعاث فكرياً ثقافياً يسهم في إحداث أثر حضاري وليس مجرد شهادات لغرض التوظيف!
نحتاج لنظام جديد للابتعاث. النظام الحالي قديم في فلسفته وإجراءاته وأحياناً لا يتناسب مع التطورات الإدارية والمالية والأكاديمية. مع تقديري للقائمين على الابتعاث وجهودهم في سد ثغرات النظام وتطويره، أخشى أننا نحتاج لمزيد من الموظفين ومزيد من التعديلات في الأنظمة، وقد لا تنجح فكرة الإشراف الموحّد - كتبت عنها عام 2011م وأشار إليها معالي الوزير مؤخراً- وفق آليات العمل الحالية. اسألوا أي مبتعث أو موظف بالملحقيات كم عملية وكم من الوقت والمحتويات التي يعمل عليها بشكل مستمر للوفاء بمتطلبات مبالغ فيها حتى أصبح ملف أي خريج ابتعاث سعودي يحوي آلاف الصفحات وعشرات الطلبات يجريها سنوياً.
ولأن هناك جدلاً حول الملحقيات وأدوارها الثقافية والتعليمية وكون التعليمية هي السائدة في عملها، رغم مسماها. فربما يكون مناسباً استبدال الملحقيات التعليمية بمراكز ثقافية في الدول التي يقل عدد الطلاب فيها عن خمسة آلاف طالب وإيكال مهمة متابعة المبتعثين بتلك الدول إلى شركات متخصصة أو إلى الإشراف المحلي. لقد تم التوسع في الملحقيات مع زخم برنامج الابتعاث ولكن الحاجة إلى وجودها تقلص من الناحية التعليمية، ولكي لا نخسر ما استثمر في تأسيسها أطرح مقترح تحويلها إلى مراكز سعودية ثقافية، وفق ما سأفصّله لاحقاً.
أخيراً، أغلب المقترحات التي أطرحها هنا لها أمثلة في دول أخرى، و ملخصها تغيير فلسفة الابتعاث وإيجاد نظام حديث له واستبدال برنامج الملك للابتعاث بصندوق التبادل المعرفي الدولي وتحويل بعض الملحقيات إلى مراكز ثقافية ...
المقال القادم عن المراكز الثقافية.